تعليقاً على مقال الكاتب هاني مسهور المعنون بـ(بين الأحساء وعدن.. ابحثوا عن إيران) وأود التعليق عليه بأن «التقيّة الفارسية» التي تمارسها إيران منذ «الثورة الخمينية» عام 1979م، بـ(أفيون) السياسة الإيرانية الذي استهدف المجتمع الإيراني أولاً، ثم المجتمعات العربية ثانياً، وذلك ضماناً لانتشار مذهب «ولاية الفقيه» على أكبر رقعة جغرافية ممكنة، في سبيل إسقاط الهوية العربية والإسلامية في المشرق العربي.
جميعنا يعلم أن «التقيّة» بمفهومها الفارسي تعني (كتمان الحقائق وستر الاعتقاد فيها، ثم التظاهر بعكس الحقائق الخفية أمام العالم، لحين بلوغ الهدف). إن هذا السلاح الخبيث الذي لا يقلّ خطراً عن الأسلحة الكيماوية التي أطلقها (الأسد) على الشعب السوري، مكّن الإيرانيين من إحكام السيطرة والنفوذ الآنيّ على أجزاء كبيرة من المشرق العربي في ظل غفلة عربية طويلة.
ابتداء من التهليل الفارسي على جثة الرئيس العراقي «صدام حسين»، ومن ثم الهيمنة على لبنان بواسطة «تقيّة حزب الله وحربه مع إسرائيل» عام 2006م، وانتهاءً بالاحتلال الفارسي لسورية من خلال «تقيّة الأسد والحرب على الإرهاب».
كان عنوان «التقيّة الفارسية» هنا، هو نشوء قوات (الحشد الشعبي العراقي) الذي يفترض أن يضم جميع مكونات المجتمع العراقي لمساندة الجيش ضد تنظيم (الدولة الإسلامية)، تحت مظلة «الحرب على الإرهاب». لكن ما أن قامت المعركة حتى انكشفت بواطن «التقيّة الفارسية»، وتمثّلت بـ»جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات (الحشد الشعبي العراقي) بحق «السنّة» المدنيين في المناطق التي كانت تتبع لسيطرة (الدولة الإسلامية)، إضافة ً لذلك، تزعّم قاسم سليماني لتلك المعركة، في ظل تخبّط حكومي عراقي حيال ذلك الأمر، والذي قابله تأييد شديد لوجود (سليماني) في العراق من قبل شخصيات تابعة لحكومة المالكي السابقة، كأمثال (هادي العامري ) رئيس منظمة «بدر» التي تقاتل ضمن ذلك الحشد العراقي المزعوم والذي لم يضم إلا العناصر الإيرانية، وطرائد «التقيّة الفارسية» من شيعة العراق».
خير دليل على ذلك، التقارير اليومية التي تتحدث عن الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات «الحشد الشعبي العراقي» بحق المدنيين «السنّة». فإضافة إلى تقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي تحدث عن التهجير الجماعي «للسنّة» المدنيين، ومنعهم من العودة إلى بيوتهم والتنكيل بهم في مدينة «ديالى» العراقية. إقدام ذلك الحشد المزعوم على عمليات الذبح والتمثيل بجثث الضحايا وقد كان آخرها، نحر راعي أغنام يدعى (أبو عمر الشمري) في بلدة «الجلام» التابعة لمدينة العوجة قرب تكريت، وذلك وسط تأكيد عضو لجنة التنسيق الأمنية لتلك المحافظة (حسين الفضلي)، واضعا تلك الجرائم تحت مبدأ «الأخطاء الفردية» كالذي انتهجه «النظام السوري» في بدايات الثورة السورية.
لقد تمثل كشف اللثام عن حقائق «التقيّة الفارسية»، بتصريحات مستشار الرئيس الإيراني (علي يونسي) فيما خص إعلانه مدينة بغداد عاصمة إيرانية، وأنها جزء من الإمبراطورية الإيرانية، في ظل استنكار شديد للخارجية العراقية (الدٌّمية) حيال ذلك، والذي يمكن أن نعتبره تبادل أدوار في ممارسة «التقيّة الفارسية» لعدم كسر التوازن فيها حتى بلوغ الأهداف المنشودة.
إن لـ»التقيّة الفارسية» أهمية كبرى في سورية، فقد اعتمدت في إعلانها الظاهر على ثلاثة أساطير كاذبة، كان أولها إعلان ما سمي بـ(المعادلة الصعبة)، أي (إيران،سورية،حزب الله) التي برزت بعد الحرب مع إسرائيل عام 2006م - على غرار بطولات حرب 1973م، التي أفرزت بطلاً قومياً كاذباً كـ(حافظ الأسد) باغتياله لأهداف تلك الحرب، والجولان السوري على حد سواء- لتعزيز دور الوكيل الإيراني (حزب الله) في تغليف وتلميع الأهداف الإيرانية الخبيثة ضمن أكاذيب (المقاومة، وتحرير فلسطين) لدى الداخل السوري، مستغلين التسامح الطائفي الذي يتمتع به الشعب السوري، ونصره للقضايا العربية والقومية.
إن الشعب السوري هو من استقبل لاجئي الجنوب اللبناني في بيته وأرضه، أما «النظام السوري» فقد استقبل بواطن «التقيّة الفارسية» التي نشرها الخادم الأكبر (حزب الله)، والتي واءمت العقلية الحاكمة ذات المبدأ الطائفي في سورية، وبذلك مهدت الطريق لنشر الأسطورة الثانية، التي دارت حول تواجد (حزب الله) والمليشيات الفارسية في سورية بعد قيام الثورة فيها، بأنه يهدف لحماية المقدّسات الشيعية كـ(مقام السيدة زينب) الكائن في ريف دمشق وغيره، ثم تمّ تحويل مسارها لمحاربة الإرهاب في سورية بعد أن لم تعد تستطيع مليشياته تبرير تواجد جثثها ضمن المناطق المحررة في سورية. الأمر الذي إضطر إيران وأدواتها للإعلان صراحة عن جزء كبير من بواطن «تقيّتها الفارسية» تجاه سورية.
إن تلك التراكمات من سير الأحداث، قد أجبر إيران على إعادة صياغة أسطورة ثالثة، من شأنها تلميع «تقيّتها الفارسية» ضمن مظهر جديد يمكّنها من السير في ظله حتى بلوغ الهدف المنشود في سورية، وقد كان ذلك المظهر هو (بشار الأسد). فعندما نتحدث اليوم عن المناطق التابعة لسيطرة النظام السوري، نعني بذلك النقاط المحتلة من قبل القوات الإيرانية وأدواتها في سورية، حيث إن اليقين الإيراني من عدم إمكانية صمود مفوّضها السامي (نظام الأسد) أمام الثورة السورية، هو ما استدعاها لاستقطاب الكثير من المليشيات الفارسية إلى جانب (حزب الله)، والتي تكلفها عشرات الملايين من الدولارات إلى سورية. إذ إنه ضمن «التقيّة الفارسية» لابدّ من إبقاء غطاء جيد يستر الغايات والوسائل الخبيثة في المنطقة، وليس هناك أفضل من وكيلها (بشار الأسد)، فبواسطة إبقائه في السلطة قد شرعنت إيران وجودها في سورية ضمن إطار «التعاون المشترك» في الحرب ضد الإرهاب «داعش».
لقد شكّل (السنّة) أكثر ضحايا الأعمال الإرهابية في العراق وسورية، سواء على يد النظام السوري، أو «داعش»، والآن قوات «الحشد الشعبي العراقي»، وقوات الحرس الثوري الإيراني. بمقارنة بسيطة، بين جميع تلك الجماعات، نجد أن ممارساتها واحدة التي تشمل (الذبح، والتهجير، والحرق)، والتنكيل في مختلف الصور والأشكال، إلا أنها تختلف في الشعارات والطقوس فقط.
فقد احتارت رقاب «السنّة» المدنيين لمن ستكون قرباناً عند الذبح، في حين ينظر المجتمع الدولي فقط، لجماعة «داعش» ضمن دائرة الإرهاب الذي يجب محاربته بكافة الطرق الممكنة، ليس لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في كل من العراق وسورية، وإنما لأن نشاطه الإرهابي قد طال العمق الغربي. أما إرهاب» التقيّة الفارسية» فهو إرهاب جائز وشرعي طالما لا يستهدف الغرب ويتماشى معه لنهاية الطريق.
عبدالرحمن العتيبي - جامعة الملك فهد