الغذامي: لو عرفت تويتر لاشتهرت من الابتدائية.. وتنقصنا الثقافة الحقوقية ">
متابعة - محمد المرزوقي / تصوير - عبدالرحيم نعيم:
دشّن (كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية) فعالية «مؤلف وكتاب» وذلك باستضافة الدكتور عبدالله الغذامي، يوم أمس الأربعاء، بالمسرح الرئيسي بالجامعة، التي أدارها الدكتور معجب الزهراني، لمناقشة كتابه الجديد (ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير) الذي صدر مؤخرا، عن المركز الثقافي العربي.
وقد استهل الزهراني تقديمه للمحاضر، مشيرا إلى الندوة تهدف من إقامتها على لقاء حواري، مؤكد أن الغذامي عرف محليا وخليجيا وعربيا عرف من أواسط الثمانيات ناقدا، عبر سلسلة من كتبه التي تنوعت منهجا وفكرا خصبا.. وجدلا كبيرا.. موضحا أن تحول الغذامي من النقد الأبي إلى النقد الثقافي يعتبر تحولا مما عرفه النقاد الكبار عالميا.
وأضاف الزهراني: هذا التحول أعطى بعدا فكريا وجماهريا للغذامي، لم يحلم به النقاد عربيا من قبل، التي جعلت مؤلفات الغذامي تنتشر بفكره بين جمهور عربي واسع، التي صحب انتشارها البعد المنهجي الجديد، والجدل حولها بين من قرأ، ومن سمع أيضا.
وقال الزهراني: حينما قرأت كتاب الغذامي (ثقافة تويتر: حرية التعبير أو حرية المسؤولية) الذي يشير عنوانه إلى تلازم شرطي، في ظل ثورة كبيرة استطاع الغذامي أن يخضعها للبحث والدراسة، مبينا عمق هذا التلازم في الوسائل الاتصالية الشائعة في أيدي الجماهير، بين حرية التعبير، ومسؤولية الرأي.
فيما استهل ضيف الندوة، حديثه، بشكر الجامعة، ومقدم الندوة، مؤكدا على أهمية الفكرة (مؤلف.. وكتاب) فيما يتصل بمحاورة الكتب.. عبر الكتب ومؤلفيها، التي من شأنها أن تحرك الأفكار تجاه أي كتاب، لتدفع بتحاور الأفكار تجاه ما يصدر من مؤلفات، وخاصة في ظل غياب فن عرض الكتب، مشيرا إلى ما هو قائم في الغرب مما يعرف بفن عرض الكتب، وخاصة في وسائل الإعلام، واصفا هذا النوع من العرض الفني للكتب مما يصنع الكتب، كفكرة تفاعلية.
وأضاف الغذامي: تذكرت في ندوتنا مع كتابي، قول الجاحظ: لا خير في علم لا يحاضر به، وفي بنية ثقافتنا محاورة العلوم عبر تراثنا حاضرة، ولها دورها فيما وصفه الجاحظ بـ(المسجديين) ومن عنوان الكتاب فتويتر، أعطى الأفراد حرية لم يسبق لها في وسائل الاتصال مثيل، سواء كانت سلطة مادية، أو معنوية، فاليوم لست بحاجة أن تؤلف كتاب، لتبحث عن ناشر، أو وسيلة إعلام لتنشر لك، فقد مرت سنين ولم ينشر لي شيء، ولا زلت أتذكر فرحي بأول قصيدة نشرت لي أهجو فيها أبو رقيبة، في وقت لم نفهم سياسة النشر.
وعن قدرة تويتر من خلال رؤية المحاضر قال الغذامي: لو كان تويتر موجودا في أيامنا، لظهرنا من المرحلة الابتدائية، وبسهولة، فهو نوع من الفروسية الجديدة عبر الكلمة، التي هي أخطر من القنبلة النووية، وبأسهل الأدوات وأكثرها انتشارا بين الجماهير، ولنا أن نسأل هل تويتر منبر ثقافي أم مكان للغلبة والتغالب؟ وماذا عن تويتر والقانون الدولي، كما ظهر في أن أسباب جرائم مردها تويتر؟ ولنا أن نسأل فلسفيا عن الحرية المعطاة مقابل السلطة الاجتماعية والسياسية والدينية بوصفها سلطات بمثابة عقود نعيشها.
وعن أحد تعريفات الحرية: (الحرية ألا تضر غيرك) الذي يجعل منه صيغة «سلوكية» تحرر ماهية الضرر، مما ينتج عنه تنظيمات، وتشريعات في ثقافات الأمم والشعوب، عقدية كانت، أو عرقية، أو قيمية، بعيدا عن مهارات التحايل على تحرير الضرر، أو التشريعات من خلال أشكال مختلفة من التحايل كمحلف، أو محام، أو غيرها.
وقال الغذامي: ارتباط الحرية بالمسؤولية، على المستوى المفاهيمي والفلسفي، ارتباط صحيح، ومتطابقة، أما على المستوى التطبيقي، فمختلفة عطفا على متغيراتها كممارسات.. إذ هناك هنا من يلجأ إلى الأخلاق كصفح، وآخر يذهب إلى القانون.. وثالثة منطلقها عرف اجتماعي منشأه التعارف على مفهوم (قيمة) معينة، لها دلالاتها، ولها سلوكياتها التي تمارسها.
ومضى الغذامي في حواره مع كتابه، فيما يتعلق بالمفهوم كمرتكز رئيس، جاء في فصل عن (الثقافة الحقوقية)، مشيرا إلى أن الحرية مسؤولية، إذا لا تعني شيئا مقابل فهم الحرية التي يصاحبها اعتداء، لكون الاعتداء يغرس ثقافة الاعتداءات، مما يعيد إنتاج العنف من فرع إلى آخر.. موضحا أن تويتر عرض هذا اللون من الثقافة عيانا بيانا فيما يشكله محتواه عبر تغريدات على مدار اللحظة، مؤكدا في هذا السياق أن القوانين وحدها لا تصنع ثقافة حقوقية، التي تبدأ باستصدار الأحكام والأنظمة، مما يجعل من تكرار المطالبة به قانونا، يأخذ الناس به كثقافة يتعارفون عليها، بدلا من مجرد المطالبة باستصدار قوانين.
كما أكد الغذامي على أهمية الثقافة الحقوقية، وخاصة فيما يتعلق بما هو بين من قضايا كالقذف وغيره، التي لم يكفها مجرد عرض تقارير، أو اعتراضات، أو مناشدة تجاه تغريدة أو أخرى بما يفترض أن يتبعها (حراكا) جماهيريا، مردفا قوله: على المجتمعات (الريعية) أن تحرك ثقافة حقوقها، لكونها المسؤولة الأولى عن حقوقها، لكونها يجب أن تكون المسؤولة عن إنتاج ممارسة مفاهيم الثقافة الحقوقية.
الدكتور عبدالرحمن السماعيل، الذي تحدث عن رفع القضايا التي تتناول الأشخاص بشكل مباشر في تويتر، عطفا على ما كيل للغذامي من اتهامات كردود فعل على ما يكتب، إذ ما يزال الغذامي يقرأ تغريدات تنال من شخصه.. ليأتي رد الغذامي بقوله: تميل نفسي إلى أن أفكر أنه في بعض ظروف حياتنا مما قلته في كتابي: (أن نجعل من أجسادنا جسورا لغيرنا)، ممثلا على موقفه من أناس سعوا للنيل منه قائلا: اتهمني المليباري، أنني سارق في كتابي (الخطيئة والتكفير) مما جعلني أرفع قضية ضد نفسي لمدير الجامعة، بأن طلبت أن أحاسب أكاديميا، وسحب الجائزة التي تسلمتها على الكتاب.. لتصدر براءتي علميا باعتذار في بيان لجامعة الملك عبدالعزيز، ولدي مما يمكنه مثاليات، بأن ديني لربي، وبالتالي فلا يعني لي لماذا قال الناس أو كتبوا عني.. إلا أنني أؤكد كثقافة حقوقية على من لا يجد سوى الجهات الحقوقية كبحث عن ناصر له فليعل لكون هذا شأنه.
أما عبد الإله العبيلان، فأشار إلى أن حرية التعبير محصورة في النظام، ومكفولة به، ومنظمة في لوائحه، مما يجعل الحق مكفولا لصاحب الحق للمطالبة به أو الترافع عنه، وخاصة في ظل من يرى أن إعادة التغريد مما لا يدين أصحابها، إذ أكد المحاضر على أهمية التنبه لوجود مبرر من هذا النوع.
أما عن اعتبار تويتر كمصدر للمعلومات البحثية، فأوضح الغذامي، أن تويتر يمثل مصدرا للمعلومات الحقيقي منها، وما هو عبارة عن شائعات، مما يفترض التفكير فيما يقرأ الجماهير في تغريدات تويتر، مستعرضا جملة من الأمثلة التي كانت بمثابة إنتاج الكذب كلمة.. وصورة.. مما يفترض استثماره بوعي، وإدراك لما يبثه صباح مساء.. محذرا من (الوهميين)، مردفا قوله: ليس لدي مشكلة مع وهمي.. وإنما مع التغريدة ذاتها.
فيما تحدث حمد القاضي في مداخلته، عن مواقع التواصل الاجتماعي وهامش الحرية غير المسبوق، الذي لم تشهده المجتمعات من قبل، مشيرا إلى الجوانب السلبية فيما يتصل بالحرية فيها في ظل غياب المسؤولية عن شرائح من مستخدمي شبكات التواصل بعيدا عن الأدبيات والأخلاقيات.. بعيدة الشريحة كل البعد عن أدنى حدود المسؤولية، مؤكدا على أهمية الوعي بعدم تحول الاحتلاف إلى خلاف.. متسائلا: إلى ما يعزو المحاضر هذه الممارسات في تويتر، التي أشبه ما تكون بفوضى رقمية، وهل يمكن أن تسم لها القوانين التي من شأنها أن تحد من تلك الظواهر؟
من جانبه علّق الغذامي على هذه الأسئلة، موضحا أن توصيف الحالة هي ما يدور في فضاء تويتر، إلى جانب ما يصحبها من ثقافة عنف، مبينا أن الطرف الثاني يمكن أن يسيطر على الكثير من المواقف تجاه الطرف الأول المندفع.. أو الشاتم.. أو ألا أخلاقي فيما يكتب.. مؤكدا أهمية أخذ هذه الجوانب من جانب خيرية المتلقي ولطفه، ومدى احتوائه للطرف الآخر، وعمق تعامله ثقافيا بحكمة ووعي، بعيدا عما وصفه الغذامي بفن (المهايط) التي تتجاوز الشخص إلى القبيلة والسلالة والمنطقة بشكل متنام من العنف والتطاول.
وفي رد على مداخلة عن الشبكات الاجتماعية وما يمكن وصفه بسلطة (الترهيب) الجماهيري، وعلاقة المنع بالقوانين التي تمنع قانون المنع ذاته.. إذ أشار الغذامي على أنها بمثابة السؤال المعلق التي يمكن تصنيفها بأسئلة سقراط المعلقة، التي من شأنها أن تبعث على التفكير في أسئلة تظل دونما إجابات على مدى زمني معين.
أما محمد الدغيلبي فتساءل عن جدلية التعبير في تويتر من حيث التمثيل الاجتماعي بوصفه يعبر عن أفراد، لا مجتمعات.. لتظل مسألة غير محسومة لدى الباحثين؟ وعن مدى ما يمثله تويتر في تغذية الإرهاب والعنف.. بالنظر إلى ما يجسده محتواه في هذا الجانب بعيدا عن تسمية الإعلام البديل أو ثقافة الوسائل التي من شانها أن تعطي صورة ضبابية تجاه هذه الظواهر؟
وفي رد الغذامي أوضح أن الإرهاب ارتبط بوسائل الاتصال الحديثة، وبالإنترنت تحديدا، عطفا على سماته الاتصالية التي لا ترى.. مقارنة بوسائل يرى ويشاهد الجماهير محتواها ونموها، عبر التحفيز، والإغراء، والتجنيد.. وغيرها من المصطلحات التي ارتبطت بثقافة العنف.. والإرهاب.. والجماعات الإرهابية، التي يأتي من ضمنها الوسائل الحديثة، دون أن نحدد تويتر - مثلا - بوصفها الوسيلة المسؤولة عن الحالة الإرهابية كحالة عالمية.. موضحا أن علينا أن نسأل أنفسنا: هل إيقاف تويتر أو غيره سيوقف الإرهاب.
بينما تحدث محمد الزهراني، عن النخبوي في الشبكات الاجتماعية، الذين انقسموا إلى فريق مع الجماهيرية، وآخرين ظلوا فيما يشبه أبراج بعيدة عن الجماهير.. إذ جاء رد الغذامي، بأنه لم يفكر كثيرا في الكتابة باسمه، مقارنة بالتفكير فيما لو كتب باسم وهمي، للتعرف على نسبة الجماهير وتناسبهم مع اسم وهمي، وآخر معروف، مقارنة بأسماء وهمية لها جماهيرها الكبيرة.
أما خلود الشتيوي، فقد استعرضت مفهوم الحرية في تويتر، مقابل المسلمات الدينية خاصة، مما جعل البعض يظهر في تويتر بشكل مختلف عن حقيقية أفكاره وقناعاته، إذ أوضح الغذامي أن ملامسة الفكر للدين، تظل مسألة أمام مسلماتنا، وما نؤمن فيه كفكر.. موضحا ما يعكسه تويتر من ردود جماهيرية متباينة ومتضاربة بعيدا عن فقدان القيم الأخلاقية، التي من شأنها أن تكون بمثابة البساط الأخضر الذي يقودنا جميعا إلى كلمة سواء.. وإلى الصواب.. والأخذ بالحسنى.. بدلا من التشييع.. والتجريم.