عندما نتحدث عن الأعلام الذين خدموا الأمة الإسلامية فإننا لا يمكن أن نوفيهم حقهم، لكن أجرهم مُدّخرٌ عند الله تعالى، وإنما هي خواطر، وحكايات عن ذلك العَلم، فمن منا لا يذكر الشيخ عبدالله فرحة الغامدي، فقد نشأنا منذ الصغر على صوته المميز، كان إعلامياً علماً، ومذيعاً ناجحاً، وإدارياً متميزاً، تنقل بين علماء الأمة الأعلام سنين طويلة، يسجل اللقاءات معهم، ويطرح عليهم الأسئلة، ويقرأ عليهم استفتاءات المستمعين، وذلك من خلال برنامج (نور على الدرب) وغيره من الندوات واللقاءات. والشيخ عبدالله فرحة الغامدي كان ممن ينطبق عليهم الأثر أو الحديث: (إذا أراد الله بالعبد خيراً استعمله، ييسر له عملاً صالحاً ثم يقبضه عليه). وفقيدنا -رحمه الله - قد خدم هذه البلاد المباركة، بل الأمة كلها من خلال مجال الإعلام فكان مديراً لإذاعة القرآن الكريم سنين عديدة، واقترن اسمه عند المتابعين لإذاعة القرآن ببرنامج (نور على الدرب)، حيث كان محاوراً جيداً، ذا ثقافة شرعية مكنته من إدارة اللقاءات والحوارات بشكل متميز، فأحب ضيوفه وأحبوه، إذ كان يُثري الحوارات بأسئلته، وأطروحاته، واستدراكاته على الضيف - أحياناً -.
كان حريصاً جداً على برامجه التي كان يسجلها بجهازه، حيث كان يذهب إلى ضيوف برنامج (نور على الدرب) في بيوتهم، ويسجل البرنامج بجهازه، ثم يحضر إلى غرفة المونتاج بنفسه مهما طال به الوقت، وقد رأيته بنفسي في بعض ليالي الشتاء الباردة - حينما كنت أقدم فترة السهرة في الإذاعة - وقد انتصف الليل، فأراه في غرفة المونتاج، يقوم بعمل المونتاج بنفسه ويجهز البرامج، وكنت أسلم عليه، فيرد السلام بخير منه، فكنت أكبر فيه هذا الجهد والإخلاص للأمة، يحدثني أحد الأشخاص أن الشيخ عبدالله فرحة الغامدي -رحمه الله - قد تحدث بشأنه مع سماحة العلامة الراحل الشيخ ابن باز - رحمه الله - ليشفع له للانتقال من عمله إلى عمل آخر يناسبه، وقد تحقق له ذلك. يقول: فمازلت أدعو لهما - رحمهما الله - كلما تذكرت ذلك. ومما أذكره من مواقف الشيخ عبدالله فرحة الغامدي -رحمه الله- أنني في بدايات عملي الإعلامي حين كلفت ببرنامج (نور على الدرب) استقبلني في مكتبه، وبارك لي هذا التكليف، وحدثني حول أهمية البرنامج، ووجوب احترام العلماء ضيوف البرنامج، واحترام أوقاتهم، ومدى نفع هذا البرنامج للأمة. وأفادني بكثير من التوجيهات التي كان لها أثر كبير على نجاحي في تقديم هذا البرنامج المبارك، وغيره من البرامج التي أثرى بها المكتبة الإذاعية. وقد أصيب في أواخر حياته بمرض ألزمه الفراش حتى وافته المنية، وإنني أدعو جميع من عرفوا الشيخ أن يستغفروا له، ويدعو له بالرحمة، فإن الموت حق علينا جميعا، يتخطفنا واحداً بعد الآخر، ولا شيء مثل سلامة الصدر والقلب للمسلمين. رحم الله الشيخ عبدالله فرحة الغامدي وأسكنه فسيح جناته.
- عبدالكريم بن صالح المقرن