بيروت - منير الحافي:
كل الشخصيات السياسية والقانونية وشخصيات الدفاع المدني، معنية هذه الأيام بالخوف على لبنان وعلاقاته مع أهله العرب، وفي مقدمهم دول الخليج العربي خصوصاً السعودية. من أجل ذلك، ترى معظم اللبنانيين يتحدثون عن «فاولين» (خطأين) قام بهما جبران باسيل - وزير خارجية لبنان في اجتماع جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وفي كلا الاجتماعين وقف باسيل خارج الإجماع العربي بدعم السعودية حين اعتدت على سفاراتها ايران. الموقف اللبناني الرسمي، قابلته مواقف منددة تؤيد المملكة وحقها على أشقائها، ومنهم لبنان، في الوقوف معها لأنه دفاع عن الحق.
«الجزيرة» التقت شخصية فاعلة من الجسم القانوني اللبناني، نقيب المحامين في طرابلس والشمال فهد المقدم. وقد وقفت عند رأيه في موقفي باسيل، كما سألته عن موضوع غياب رئيس للجمهورية للبنان، وما هو رأيه في التطورات السياسية المستجدة على الساحة اللبنانية. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً.
* حضرة النقيب، الشأن الوطني يشغلكم كما العمل المهني في نقابة المحامين، كيف تقوّمون خطوة ترشيح رئيس القوات اللبنانية لخصمه التاريخي العماد ميشال عون، فيما كان رشح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية؟
- إذا وضعنا خطوة ترشيح العماد ميشال عون من قبل رئيس القوات اللبنانية سميرجعجع في مسار المصالحة المسيحية، لوجدنا أن لها قيمة أكثر وأكبر من تلك المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية. فنحن نؤيد المصالحات بين كل الفئات اللبنانية على اختلاف أنواعها، خاصة تلك التي يحفل تاريخها بدماء الأبرياء التي ما زلنا نذكرها وعايشناها كما عاشها الكثير من إخواننا المسيحيين واللبنانيين. وعندما نستذكر المشهد الاحتفالي الدي حصل في معراب، فهو يبدو لنا وكأنه جاء كردة فعل على مبادرة الرئيس سعد الحريري تجاه النائب سليمان فرنجية. ولقد أيدتُ هذه المبادرة لجهة اعتبارها أنها تخرق جدار الفراغ وتخرج البلاد من الشلل الذي تعانيه المؤسسات كافة. واقول: إن النائب سليمان فرنجية ابن بيت عريق وعروبي وتاريخه شاهد له كما مواقفه. فهو سامح وتصالح مع القوات اللبنانية من دون غاية، فقط من أجل مصلحة لبنان العليا التي تقضي بأننا كلنا ملزمون بالعيش معاً تحت سقف واحد وهو سقف الوطن، الوطن لبنان، لبنان العربي قبل كل شيء.
* كيف يكون الحل للمعضلة الرئاسية في لبنان، برأيكم؟
- الحل للمعضلة الرئاسية في لبنان بات سهلاً، فنحن أمام مرشحين من الأربعة الموارنة الأقوياء الذين سماهم لقاء بكركي، والذي أعلن عن إمكانية انتخاب أي منهم كرئيس للجمهورية، فلماذا لا نذهب الى البرلمان حيث يتم التصويت ومن يحوز على غالبية الأصوات يفوز في الانتخابات الرئاسية. لبنان دولة ديموقراطية وهذا ما يتم العمل به في جميع الدول الديموقراطية في العالم. والكلام الذي يشاع أو يقال عن رئيس جمهورية ضعيف مسيحياً ليس صحيحاً، فلطالما كان المرشح للرئاسة واحدا من أولئك الأربعة فهذا يعني أن أرضيته المسيحية قوية، هذا هو ما اتفق عليه المسيحيون فيما بينهم بمباركة البطريرك الماروني. كما أننا نشدد على أن رئيس الجمهورية ليس رئيساً للمسيحيين فقط، فهو رئيس لكل لبنان ويجب أن يتمتع بغالبية الأصوات بين المسلمين والمسيحيين على حد السواء.
* انتم أقرب الى وجع الناس وترون مشاكلهم في القضايا الشخصية والاجتماعية، الى أي مدى يستطيع لبنان أن يصمد أمام المحن الاقتصادية والاجتماعية المتأتية من غياب الرئيس وشلل الحكومة والمؤسسات، إضافة الى وجود مليون ونيف من النازحين السوريين في لبنان، وغيرها من المشاكل. الى متى يمكن للبنان واللبنانيين الصمود؟
- لبنان وجد ليبقى، فمنذ نشأته صمد لبنان في وجه جميع الصعاب والحروب والغزوات والنكبات التي حلت به. ونحن لسنا في معرض الرجوع الى تاريخه القديم، لكن دعنا نتذكر فقط تاريخه الحديث وكيف استطاع الشعب اللبناني النهوض بعد الحرب الأهلية وإعادة إعمار لبنان بمساهمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورعاية أشقائه العرب ومساعدتهم. فالشعب اللبناني شعب جبار يخلق من كبد ضعفه قوة ويستعيد أنفاسه كلما سمحت له الظروف. وإنني كلني أمل أنه في اللحظة التي ستتم فيها الانتخابات الرئاسية وتشكل حكومة جديدة تعيد تدفق الدم في شرايين الوطن على كافة الصعد وفي مختلف المجالات.
أما بالنسبة لموضوع النازحين السوريين فهو عبء إضافي على كاهل الدولة اللبنانية المنهكة هذه الأيام، ولكننا وبحكم التاريخ والجغرافيا لا نستطيع الا أن نطلب المساعدة والمؤازرة من جميع إخواننا العرب وأصدقائنا في العالم ومن كل مؤسسات الأمم المتحدة المتخصصة أن تعمل جاهدة على مساعدتهم، اذ إن الدولة اللبنانية قدمت لهم أكثر من الممكن وهي لم تعد قادرة على توفير حاجات مواطنيها أنفسهم. فعلى المجتمع الدولي أن يأخذ هذه المسؤولية على عاتقه بشكل جدي أكثر، كما يؤلمنا ويوجعنا رؤية الأطفال والعجزة في البرد والصقيع حيث تنقصهم المستلزمات والحاجات الضرورية، و نطالب المجتمع الدولي العمل الدؤوب لإحلال السلام في سوريا وامكانية رجوع هؤلاء النازحين الى ديارهم في أجل قريب.
* موضوع مهم يشغل لبنان، هو خروج وزير خارجيته في المحفلين العربي والاسلامي عن دبلوماسية لبنان المعهودة في التضامن العربي. كيف رأيت موقف جبران باسيل خصوصاً في المجلس الوزاري الاسلامي من عدم الوقوف مع المملكة؟
- إنني وبشكل صريح وعلني معارض لهذا الموقف وأدينه بشدة. لبنان بلد عربي ومهما حصل، ومهما كانت خصوصيته الداخلية لا يستطيع التنكر لهويته العربية ولإخوانه العرب، وعلى وجه الخصوص وبالتحديد المملكة العربية السعودية. نحن على يقين ونعلم جيداً أنه ومنذ بدء الحرب في سوريا يتبع لبنان سياسة النأي بالنفس، ولكن الاعتداء السافر الذي حصل على حرمة أراضي المملكة العربية السعودية أمر مشين وغير مقبول، وكان يجب على الوزير باسيل الوقوف الى جانب اشقائه العرب والتضامن معهم والتنديد بهذا العمل الجائر بحق المملكة التي كان ومازال لها في لبنان كل الأيادي البيضاء على جميع الصعد ومنذ سنين عديدة. وإذا كنا نريد ان نحصي المساعدات والهبات والدعم المقدّم من قبل المملكة الى الشعب اللبناني والدولة اللبنانية فلا تكفينا صفحات جريدتكم المحترمة، ولكننا نختصر بالقول: من منا ينسى الطائف وكل الجهود التي بذلتها المملكة لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان والمساعدة على قيام مؤتمر الطائف وإنهاء الأزمة في حينها، كما أنني أدعو الحكومة اللبنانية الى أخذ موقف رسمي حيال هذا الموضوع وإنهاء الجدل الدائر حوله، اذ أختم مجدداً القول إن أقل ما يمكنه لبنان فعله هو الوقوف الى جانب المملكة العربية السعودية في الأوقات النادرة التي تكون فيها بحاجة الى مساندة من اشقائها العرب.
* هل تخاف على اللبنانيين المنتشرين في السعودية والخليج العربي عموماً جراء موقف باسيل؟
- يشكل الخليج عموماً والسعودية خاصة متنفساً اقتصادياً للشعب اللبناني منذ سنين عديدة وخاصة بعد بدء الحرب الأهلية والحروب الأخرى التي تلتها. فواردات الدولة اللبنانية التي ترتكز على تحويلات اللبنانيين المقيمين في الخليج لا يستهان بها وهي مورد حيوي على كافة الأصعدة، كما أن اللبنانيين العاملين في الخليج هم من خيرة الشعب اللبناني. فهم ذوو علم ومعرفة وتخصص، ذهبوا بحثاً عن لقمة عيش لم تعد متوفرة في لبنان وعن مكان آمن يعملون فيه، وقد ساهموا بشكل ايجابي وملموس في نهضة مختلف الدول التي عملوا فيها. ولا أعتقد أن الدول الخليجية وبشكل خاص المملكة العربية السعودية ستعاقب من ليس له ذنب في فعلة أو موقف معين، فاذا كان وزير الخارجية اللبناني قد اتخذ موقفاً خاطئاً وغير مناسب، لا يجوز أن يعاقب من لم يرتكب إثماً أو خطأً مكانه. ونحن نعلم ان المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال أماً حاضنة للرعايا اللبنانيين، ولم تتنصل يوماً عن دورها هذا. فهي تقدر ظروف هؤلاء العاملين لديها وتعرف تمام المعرفة ان المسؤول عن الخطأ هو الذي يجب أن يتحمل تبعات فعلته.
* كيف يمكن للبنان أن يعود والحالة هذه الى ضمير الدول الخليجية من حيث دعمه بالمساعدات والقروض وغيرها، وما المطلوب من الفئات السياسية الأخرى التي لا توافق على مواقف باسيل التي وصفت بأنها تصب في خانة ايران وحزب الله فحسب؟
- سياسة لبنان الخارجية يجب أن تكون سياسة عربية موحدة شاملة لا تخضع لرأي شخص أو تيار أو حزب معين. وإني أتأمل بإجراء انتخابات رئاسية قريباً وإنشاء حكومة جديدة متجانسة فيما بينها وإصدار بيان وزاري يوضح سياسة لبنان الخارجية والتزامه الى جانب أشقائه العرب مما يعيد الثقة بين لبنان وبينهم. اما اذا لم تتم الانتخابات الرئاسية قريباً وجرى تفعيل عمل الحكومة كما تم الاتفاق عليه في جلسات الحوار الوطني، على هذه الحكومة أن توضح موقفها وتأخذ التدابير العملية اللازمة من زيارات وتفسيرات وغيرها لإعادة بناء الجسور وترميم العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية والارتقاء بها الى زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث نعم لبنان بفترة ازدهار واستقرار.