محمد سليمان العنقري
ليس عنواناً لزيادة رواتب أو خصم خاص، فقد أشارت دراسة أجراها البنك الدولي إلى أن السعوديين لا يحصلون إلا على 10 % من الفرص الوظيفية في سوق العمل؛ إذ يشغل السعوديون 20 ألف وظيفة من نحو 200 ألف وظيفية يتم طرحها في السوق سنوياً، وذلك بحسب ما نقله موقع قناة «الإخبارية». كما ذكر بالدراسة أن رواتب السعوديين بالقطاع الخاص هي الأقل خليجياً؛ إذ يصل المتوسط إلى 6400 ريال شهرياً مقارنة بمتوسط 15200 ريال يحصل عليها الخليجيون بدولهم.
بالنظر إلى حجم الإنفاق الحكومي منذ نحو 11 عاماً فقد تم ضخ 2.2 تريليون ريال على المشاريع الاستثمارية، التي ولدت كمًّا هائلاً من فرص العمل بالقطاع الخاص، إلا أن جُلها ذهب للعمالة الوافدة لأسباب عديدة، منها أن قطاع التشييد والبناء نال الحصة الأكبر من الإنفاق، وهو قطاع يعتمد على عمالة متدنية المتطلبات والدخل، وهو ما يفسره عدد العاملين بالقطاع؛ إذ بلغت نسبتهم ما يفوق 45 %، بعدد يتجاوز 4.5 مليون مواطن ووافد، يشكل المواطنون منهم نحو 6 % تقريباً، إلا أن ما أظهرته مصلحة الإحصاءات والمعلومات عن آخر رقم لعدد السكان بالمملكة بتخطي 31 مليون نسمة، منهم 10.4 مليون وافد، يوضح أن النمو السكاني للمواطنين خلال 12 عاماً بداية من 2004 بلغ 28 % تقريباً من 16 مليون نسمة إلى 21 مليوناً، بينما كان نمو عدد الوافدين نحو 59 % من 6.1 مليون إلى 10.4 مليون، وهو ما يكشف أن جُل الوظائف بالقطاع الخاص فعلياً ذهب للوافدين؛ فلم يُوظَّف بالقطاع الخاص من المواطنين أكثر من 25 % قياساً بالعدد الذي نما فيه السكان من المواطنين، بينما بقي معدل البطالة عند نحو 11.6 % بعدد يقدر بنحو 650 ألف عاطل عن العمل، أي ما يعادل 13 % من عدد زيادة المواطنين عند 4.680 مليون تقريباً، بينما زاد عدد الوافدين 4.250 مليون، وغالباً كلهم حصلوا على فرص وظيفية بمعدل 354 ألف وافد سنوياً خلال 12 عاماً، فمنهم أُسر لا تحسب أعدادهم بين من حصلوا على عمل، وكذلك عمالة منزلية ليست محل الدراسة التي قام بها البنك الدولي.
وبالعودة لدراسة البنك الدولي فإنها تُظهر بالنسبة المتدنية حصول المواطنين على فرص عمل جديدة عند 20 ألف سنوياً، بما يقل عن الحاجة الفعلية التي تصل إلى 300 ألف فرصة سنوياً تقريباً. إن الخلل يكمن في جوانب عديدة، منها توجهات الإنفاق على المشاريع، بأنها تركزت بالتشييد، بينما لم ترتفع أعداد المصانع أو القطاعات الخدمية بنسب عالية؛ لتجذب الشباب لها؛ فكان الإحلال هو أيسر الطرق. وأكمل الخلل برنامج نطاقات الذي أعطى المجال لزيادة الاستقدام مقابل توظيف المواطنين؛ ما أضعف التنافسية بسوق العمل للمواطنين، وأعطى الفرص للوافدين أكثر. يُضاف إلى ذلك أن متوسط الأجور بقي منخفضاً للمواطنين؛ فنسبة من هم دون 3500 ريال راتباً شهرياً تصل إلى 55 % من المسجلين بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهو ما يعني أن أكثر من 850 ألف مواطن مسجل بالتأمينات هم دون هذا الراتب؛ ولذلك تراجع المتوسط للرواتب بالقطاع الخاص للمواطنين ليكون الأقل خليجياً، أي أن جل الوظائف التي حصل عليها المواطنون متدنية الدخل بخلاف التشعبات السلبية التي تتمثل بالتوطين الوهمي.
لكن إذا كانت كل هذه الأرقام معلنة رسمياً ومعترفاً بها فما هي الخطوات العلاجية التي تتبناها كل الجهات المختصة بالشأن التنموي من وزارات وهيئات؟.. فلم توضع خطوات ملموسة إلى الآن، تعيد تصحيح المسار بسوق العمل؛ ليعالج مشكلة الدخل والإنتاجية ومنافسة المواطن فيه. أن أولى هذه الخطوات من قِبل وزارة العمل هو وقف شلال التأشيرات، وإعادة تأهيل سوق العمل بتغيير نظام الكفالات الحالي، والغوص بفروقات الدخل بين المواطن والوافد المنافس له على فرصة العمل ذاتها؛ لأن حجم الحوالات للوافدين فاق 157 مليار ريال، وهو حتى أعلى من حجم رواتبهم المجمعة حسب إحصاءات مؤسسة التأمينات؛ ما يُظهر أن هناك مداخيل أعلى مما هو مسجل، وهو ما يتطلب حلولاً جذرية لمعرفة تفاصيل حجم دخلهم ومتوسط نفقاتهم، والوصول للتستر الذي تختلف تقديراته، لكنه بمئات المليارات سنوياً، وبعض الدراسات قدرته بنحو 18 % من الناتج المحلي. وإذا صدقت هذه النسبة فهذا يعني أن حجم التستر بلغ 549 مليار ريال.
كما أن بوابة الحلول هي دور وزارة التجارة والصناعة لإعادة تنظيم القطاع الخاص، وإلزامه بوضع هيكل تنظيمي، والكشف عن تفاصيله الداخلية لمعرفة سبب ضعف دور المواطنين بالمناصب القيادية، وحتى بأغلب تفاصيل الأعمال التشغيلية التي يمكن أن يشغلوها، وكذلك حقيقة الدخل والرواتب، إضافة إلى الدور الآخر بتيسير زيادة دور الأنشطة الصناعية والخدمية التي يمكن أن تزيد بتوظيف الشباب المؤهل، إضافة إلى بقية الجهات التي لها دور مباشر بتطوير القطاعات المسؤولة عنها.
الخطط التنموية توضع لأهداف كثيرة، لكن على رأسها توفير فرص العمل للمواطنين، وإذا ما كانت النتائج كما هو حالياً سلبية بتحقيق هذا الهدف فذلك يعني أن ثمة خللاً كبيراً، يجب معالجته من كل جهة حسب اختصاصها، وتكون حلقة الوصل، بل وأول من يضع اليد على الخلل لمعالجته هو وزارة الاقتصاد والتخطيط التي لها دور حيوي ومحوري غائب إلى حد كبير بمعالجة المشكلات الاقتصادية أينما وُجدت، سواء بالبطالة أو الإسكان أو توسيع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد، وتقليل الواردات بزيادة الإنتاج المحلي، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية. فهذه الخطوط العريضة عندما تحل ستقل البطالة، وترتفع الأجور، ويصبح رفع كفاءة الاقتصاد واقعاً وليس مجرد تشخيص أو حديث للتنظير كما يطرح بالتحليلات والدراسات والآراء منذ سنوات حتى وقتنا الحاضر.