عبدالرحمن بن ساير العواد الشمري
كلنا يدرك أن العمل في الحقل التعليمي مدعاة للدخول في مجموعة من التحديات التي تستلزم العمل الجاد والملزم لإنتاج مفاهيم تعمل في أقل الأحوال على التزامن مع تلك التحديات. بل إننا نشاهد بأن بعض تلك التحديات تترافق مع مجموعات من التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع، ولنأخذ مثالا واحد على تلك التغيرات قضية الهواتف الذكية وبرامجها المتنوعة والمتجددة أو قل التقنية بشكل عام التي أصبحت لا تنفك عن الصغير وتعلق بها الكبير حدّ الإدمان، وكل ذلك يمتد أثره ولا شك على عمليات التعلم والتعليم في المدارس والجامعات والبيوت.
وعليه فإن الوعي التعليمي من معالم الإصلاح المجتمعي التي لا بد أن تعي وزارة التعليم دورها في ذلك؛ وليس فقط أن تصلح وتعي، بل أن تقدم لنا كفاعلين اجتماعيين وبشكل سابق ومتقدم ما يساهم في رفع الوعي لدينا ولدى أجيالنا الصاعدة في سلم التعلم.
معالي الوزير: إننا في إدراك تام للتحدي الكبير الذي قَبِلت به لقيادة وزارة يشترك الكثير في تصور بأنها حِمل ثقيل، فأنت ثالث وزير خلال ثلاث سنوات تقريباً، وكل هذا ولا شك له انعكاسات على عمليات التعلم والتعليم سواء في المدرسة أو الجامعة وأيضا في السياقات الثقافية والاجتماعية للمجتمع ككل.
وإنني على يقين بأنك تحمل الكثير والكثير من التصورات والبرامج والأساليب التي من شأنها الدفع/ الرفع بعمليات التعلم والتعليم إلى حيث ننوي ونطمح ونريد وليس أدلَّ على ذلك من تخصصك الأكاديمي وكتابيك (إصلاح التعليم في المملكة) و(التعليم العالي في السعودية) حتى أن التدبير الإلهي دعمك بالتأليف حتى لكأنها تهيئة من السماء لتكون فيما بعد وزيراً وعلى رأس هرم التعليم العام والعالي، ولكن كل ما تحمله من تصورات وبرامج وأساليب إن لم تشارك بها المجتمع بكافة طبقاته ومن خلال عينات مختارة فإنها ربما تتعثر، وإن لم تتعثر فستتباطأ كثيراً، ونحن في زمن الذي لا يتعامل فيه بسرعة وجودة فإنها تقل أرباحه كثيراً.
وإنني أقترح عليكم أن يتم إطلاق ورشة عمل ليكون اسمها (الخطة المقترحة لبرنامج الانتقال التعليمي) ويدعى لها من هم خارج دائرة القرار من كافة شرائح مجتمعنا، ويكون من أهدافها بناء وتطوير رؤية تعلمية/ تعليمية لمضاعفة قدرات عمليات التعلم والتعليم وزيادة كفاءتها وإطلاق مجموعة من الإصلاحات، وتكون أنت أيها الوزير فاعلا ومشاركا فيها كما كان سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يحركه حلم ويؤمن بوطن ويتفاعل مع مواطن؛ مهندس برنامج التحول الوطني مشاركا فاعلا ومتفاعلا وشارحا- وهنا لا بأس من أخذ القدوات في الأشخاص والبرامج؛ بل أظنها من المحامد - نعم أيها الوزير أشْرك وشارك رجالات ونساء الوطن المؤمنين معك وأصحاب النوايا الخلاقة والتي تريد فقط من يجمعها لتتبارك وتتعاظم وتتجلى نواياها، وليكن استقبالك واستقبالنا للعام الجديد 2016 مختلفاً، نلمس في البيوت والمدارس والجامعات والحدائق والشوارع وقل بالمجتمع ككل تلك الاختلافات التعلمية والتعليمية. وإليك ثمة وقفات آمل أن تجد من الوقت ما يسمح لك التمعن فيها:
الوقفة الأولى:
إن الله لما خلق الكون جعل فيه قوانين وسنن فمن سار عليها وفعّلها عادت عليه بالنفع التام، ومن تجاهلها وصادمها عادت عليه بانعكاسات سلبية ومآلات أليمة، ومن تلك القوانين والسنن سنة التغيير/ الانتقال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وعليه فكلما حافظنا على تفعيل قانون التغيير/ الانتقال عاد علينا بأصلح الأحوال وأفضل احتمال، وما نؤمله أن تولي سنة الانتقال أولوية متقدمة في أولويات قيادتك، نعم نريد الانتقال من حالنا التعلمي/ التعليمي الحالي إلى واقع أفضل بكثير مما يتم ممارسته وبخطى واضحة، وقد قلت في مقال سابق وجهته إلى وزير التعليم السابق الدكتور عزام الدخيل إننا في مرحلة تتلون فيها المخرجات التعليمية بألوان من الضعف، فهل لك أن تتصور أن معلما تخصصه رياضيات مثلا يتخرج من الجامعة بتقدير مقبول ويتم قبوله معلما ثم يوجه إلى العمل في مرحلة ثانوية!!؟ وآخر تخصصه شريعة ويخطىء في قراءة القرآن!!؟.
ومن الألوان القاتمة في الحقل التعليمي خطوط الطلاب، ولو أجرينا مسحًا لرأينا العجب العجاب! قبل ثلاث سنوات أو أربع تم إجراء اختبار للمرحلة الابتدائية على أن يتم الإعلان عنها، فتم التحفظ على النتيجة، والسبب أنها كاشفة لما لا نود إعلانه.
الوقفة الثانية:
من الانتقالات التي يأمل منك الحقل التعليمي إحداثها الصورة النمطية للمعلم في ذهن المعلمين أنفسهم، وفي ذهنية المجتمع ككل إذ إن هناك صورة تقزيم لمن هم يعملون في الحقل التعليمي، فالمدير يمكن أن يأتي إليه من يتطاول عليه سباً وشتماً، ولا يملك أن يفعل تجاهه الكثير، والمعلم يمكن أن يدخل عليه في مدرسته من شاء فيوجعه ضربا وكسرا وتلفا وهذا ما تكرر في عدة مناطق في ممكلتنا، والجميع يتفق على أن من أقلّ إن لم تكن أقلّ الوظائف احتراما هي وظيفة المعلمين -كصورة ذهنية/ ذهنية- وأعتقد أن ذلك ساهم بشكل أو بآخر بتدني مستوى عمليات التعلم والتعليم في مدارسنا، إذ إن مما يتفق عليه الصغار قبل الكبار أنه يمكن أن يُسمع لمن له حب أو هيبة، ونحن في مدارسنا فقدنا الحب وضاعت الهيبة! وهنا يأتي أهمية تبني استراتيجية لإعادة صورتي الحب والهيبة في الأذهان وفي الممارسات، وأكاد أجزم بأن القيادة في عهد ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ستكون داعمة لكل قرار يمكن أن تتخذه في الوزارة مما يصب في مصلحة تحقيق الحب والهيبة، كيف لا وهي قيادة حزم.
الوقفة الثالثة:
هناك مسمى درَجَ خلال الفترة الأخيرة ألا وهو (القائد المدرسي) بدل المدير، فيا معالي الوزير، ها نحن استبدلنا المسمى فهل ساهم ذلك باستبدال الترهل الذي أصاب عمليات التعلم والتعليم في مدارسنا؟ وهل أثّر ذلك الاستبدال وساهم في نقل واستبدال طريقة التدريس التلقينية إلى استراتيجيات التعليم المتعددة ذات الأثر الأبقى والأدوم؟ وهل زادت الدافعية عند أولئك الصنف ممن يسمون في الميدان مديرو الحاجة؟ إنني لست ضد التسمية ولكن الأسلوب الذي تمت به يستلزم إعادة النظر، حيث إنها وضعت توصية بعد أحد اللقاءات دون إرفاق خطة واضحة ومرحلية للرفع من معايير الأداء لدى هؤلاء المديرين، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا سيما وحديثنا عن المدير/ القائد إلى متى والوزارة تعرض عن اعتماد بدل ماليٍّ ومجزٍ لمن يتولى إدارة/ قيادة شؤون المدرسة؟ أليس رئيس القسم في كليات الجامعات يأخذ بدلاً جرَّاء قبوله بتلك المهام؟ فما باله قائد المدرسة لا يأخذ نفس البدل وهو في نفس الوزارة الآن؟ إن كان العائق المسمى فخذوا منه مسمى المدير وأيضا خذوا منه مسمى القائد، وسموه رئيسا أو سموه ما تسمونه، ولكن أعطوه بدلا ماليا! ليتنافس المتنافسون ونجد تجاوبا فاعلا ومثمرا في الميدان.
وهل تعلم أيها الوزير أنه لو تم إجراء دراسة علمية حول ممارسات مديري/ قادة المدارس لوجدنا عدداً لا بأس به منهم أبعد ما يكونون عن الممارسات الإدارية، فضلاً عن الممارسات القيادية -وعندما أتحدث عن هذا الأمر فإنني أتحدث كوني أحد مشرفي القيادة المدرسية وعلى اطلاع عن قرب- وهذا ليس بغريب فكل ثقافة هذا المدير/ القائد أنه كان في يوم من الأيام مدرسا لمادة الدين أو اللغة العربية أو الإنجليزية أو أي تخصص آخر، فأصبح بقدرة الله مديرا/ قائدا لما احتاجوا إليه فدُفع إليها واستجاب وهو خاو من أبجديات الإدارة فضلاً عن القيادة، نعم هناك دورة لمدة فصل دراسي لمن يرغب بترشيح نفسه، وهي ليست ملزمة للجميع، وإنني أتصور أن إعادة تقييم البرنامج من خلال الأفواج التي درستها وتخرجت منها تقييما علميا مطلب ملح في هذه الفترة.
الوقفة الرابعة:
وهي أيضاً مما كتبته للوزير السابق، ولكن لم تمهله الأيام كثيراً وهي أهمية إقرار مادة تعنى بالجانب الروحاني، ولا يخفى عليك أننا برغبة ماسة إلى العودة إلى تفعيل ذلك الجانب في حياتنا، وهل يا ترى يقيم النشء في مسالكهم الحياتية إلا الاهتمام بهذا الجانب؟ وهل يا ترى يمكن أن نرى توازنا وتدينا وسكينة وسلاما إلا بتفعيل هذا الجانب؟ خذ على سبيل المثال مفهوم التدين في مجتمعنا، فهو مفهوم يقوم على الشكلانية/ البرانية، فيكفي كي تتدين أن تطيل لحيتك فلا تمسها، وتقصر ثوبك، حتى لو كانت مسالكك وطريقة عيشك مليئة بأنواع الغش والخداع والكذب والسباب والتحايل، فالقلب والذي هو البيت الحقيقي للتدين لا يتم تهذيبه بالشكل الراقي والروحاني الذي يراد له، وهل واجه مجتمعنا أمواج التفكير والغلو إلا بغياب الجانب الروحاني في أنفس أبنائنا؟ وهل كان مصير أبنائنا بين الدواعش والقواعد إلا بتغييب الجانب الروحاني؟ إنه يكفي أن تطلق لحيتك وتقصر ثوبك لتكون شيخا ومرجعا ولو كنت أجهل الجهلاء وأغبى الأغبياء! وهنا لا بد أن نتذكر أن التعميم مرفوض وأن المعالجة تستلزم المكاشفة الصادقة. كان شارل بيغي يعدُّ الفيلسوف هنري برغسون الرجل الذي أعاد إدخال الحياة الروحية في العالَم، فهل تكون أنت الوزير الذي سيعيد إدخال هذا الجانب إلى حقلنا التعليمي.
الوقفة الخامسة:
أعتقد أنه جزء من النجاح الذي ستحققه في وزارة التعليم أن تقوم بتكوين شركاء لك في قيادة الوزارة من المؤمنين والمؤمنات والمشاركين لك في الطموح والتطلعات أصحاب الرؤية والفكر والعمل, وليكن ذلك كذلك، فيصبح لديك شركاء من قادة وقائدات المدارس وشركاء من المشرفين والمشرفات وشركاء من المعلمين والمعلمات، بحيث تأخذ من أفكارهم ومشاعرهم وأفواههم مباشرة دون وسيط، أليس لهم حق عليك وأنت لك حق عليهم؟ إذن ففعّل ذلك واجعله إحدى العلامات الفارقة في قيادتك، شريطة أن يكون مستمراً ودائماً. وهل لك أن تتخيل أن هناك من يرفع استمارة غياب الطلاب والطالبات في الأسبوعين الأول والأخير بتحضير شبه كامل، مع أن الواقع أنه غياب شبه كامل أتعلم لماذا؟ لأن من يصدق في الأعداد يخشى من المساءلات، وأن يكون في دائرة الاتهام بأنه هو من وجه بالغياب، وهذه معاناة وتحد، فما أجمل أن تسمعها منهم وتعالجها معهم، وليس الأمر مقتصراً على الغياب وحسب؛ فهناك قائمة وقد تطول فالمقاصف ومعاناة تشغيلها! وعمال النظافة في المدارس والبحث عنهم في الشوارع والمساجد! والصيانة وطريقة تنفيذها! والمباني المستأجرة!... ألم أقل إنها قائمة ربما تطول؟.
الوقفة السادسة:
الشؤون الإشرافية وطريقة حركة المشرفين تستلزم إعادة النظر فلا يعقل أن يكون دور المشرف مراسلاً ليأتي بورقة غياب المعلمين والطلاب في الأسبوعين الأول والأخير من كل فصل دراسي، ونحن نمتلك برنامجا إلكترونيا -برنامج نور- تتابع فيه الوزارة دقائق الأمور في المدارس، وإني أتساءل: هل المشكلة عدم ثقة في المدير/ القائد؟ وهل يعقل أن نستأمنه على مدرسة وكافة أعمالها خلال العام كاملا ثم نسحب منه الثقة في هذين الأسبوعين؟ أم هو إشغال للمشرف لأن من وضع برنامج الحركة لهم يرى بأن عدم وجود جدول زيارات في المدارس يخولهم بإشغاله بأي شيء؛ أي شيء حتى لو كان فارغا؟ وهل هذا المستوى الذي وصلنا في تطوير الإشراف!؟ ومن جانب آخر أيضاً أفواج المراسلين/المشرفين لهم سنوات عدداً، وهم يذهبون إلى المدارس ويقومون بتعبئة الاستمارات، ومن ثم تسلم لمكاتب التعليم، وبعد ذلك ما هي النتيجة التي خرجنا بها وكان لها أثر على المدارس!؟ وهل سنستمر بهذا الشكل من الأداء؟ أتصور أنه حان الوقت لنخرج من هذه الدوائر الضيقة وما شابهها من دوائر أخرى، وإنه مما لا شك فيه أن قسم الإشراف في الوزارة وإدارات التعليم يبذل جهوداً لا تنكر، ولكن ما نأمله مزيدا من المراجعات في آليات سير الأعمال الإشرافية وطرائق تنفيذها ومزيداً من الثقة بقادة المدارس في العام كله وفي الأيام كلها.
معالي الوزير: نحن معك بأصدق النوايا وخالص الأدعية بأن يلهمك المولى الصواب والسداد ويعينك على ما توليته من شؤون التعليم في مملكة الخير والإنسانية وفي عهد الحزم والعزم.
وأخيرًا سأستعير من الكاتب محمد الرطيان إحدى عباراته وبتصرف لأختم بها رسالتي المفتوحة إليك (الوزارة التي لا تنتقد تترهل).