د. محمد بن عبدالله المفرح ">
** في بداية السبعينات الميلادية ابتعثت الدولة أعداداً كبيرة من الطلبة للدراسة في ألمانيا، وبخاصة لدراسة الطب وأقل من ذلك الهندسة والاقتصاد، وليس بخفي أن الكثير من الطلبة واجهته صعوبات كبيرة؛ إما لغوية نظرا لصعوبة اللغة الألمانية، أو دراسية نظرا لتعقيدها وصعوبتها أو اجتماعية أو تراكمية بين هذه وتلك.
ونتيجة لذلك تعثر الكثير منهم في دراسته وتعقدت أمورهم، وبقى الكثير منهم في ألمانيا رغم تأخره في الدراسة أو انقطاعه عنها أو انقطاع البعثة عنه، وأصبحوا في وضع يؤسى له فليس بمقدور الواحد منهم مواصلة الدراسة، ولا هو يملك الشجاعة للعودة إلى وطنه وأهله وأصحابه صفر اليدين، أعداد كبيرة من الطلبة كانوا على هذه الحاله البائسة.
***
بعد تركم هذه المشاكل كان لابد لها من حل، وقد تعهد وزير المعارف آنذاك معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ «يرحمه الله» بوضع حد لها، توجه يرحمه الله إلى ألمانيا عام 1386هـ «1966م» -إن أسعفتني الذاكرة- واجتمع على مدار ثلاثة أيام بجميع الطلبة وخاصة الأعداد الكبيرة ممن لديهم مشاكل ووعد بتحقيق طلبات الجميع دون استثناء، وكان اللقاء في أماكن مختلفة في ألمانيا لتمكينهم من الوصول إليها بسهولة ويسر،كان جزاه الله أحسن الجزاء يستقبل طلبات كل من لديه مطلب ويسأل كل واحد عن رغبته، ويكتب فورا على طلبه باعتماد تحويله إلى جامعات المملكة أو بيروت أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو باكستان أو غيرها «كانت جامعات مصر وقتها غير مطلوبة من السعوديين لأسباب وقتية تم تجاوزها لاحقا».
عاد جميع هؤلاء المتعثرين إلى بلدهم ثم اتجهوا إلى وجهتهم الجديدة على حساب الدولة وتخرج أغلبهم قبل زملائهم الذين بقوا في ألمانيا رغم بعض المشاكل المتفاوتة.
***
وهكذا أنقذ هذا الوزير الإنسان -مدعوما بتوجيهات سامية وبتوفيق من رب العالمين- المئات من أبناء هذا الوطن من مشاكل معقدة وفتح لهم أبواب النجاح ليساهموا في خدمة ورقي وطنهم.
***
لي مع معاليه يرحمه الله -موقف آخر لا أنساه له ما حييت، فمعروف أن الدراسة في ألمانيا باللغة الألمانية بينما لغة التخاطب والتعامل في مستشفياتنا هي اللغة الإنجليزية، بعد تخرجي وإكمالي فترة التدريب «الامتياز» وقبل عودتي إلى أرض الوطن عام 1972م توجهت -بعد الاستئذان من الملحق الثقافي- إلى بريطانيا لأخذ دورة في اللغة الإنجليزية لمدة 4 أشهر على حسابي الخاص حيث لم يكن وقتها ممكنا ذلك على حساب الدولة، وبعد عودتي إلى أرض الوطن طلبت مقابلة معاليه ليس لغرض تعويضي ولكن لغرض الطلب من معاليه بالتوجيه بالسماح لجميع خريجي ألمانيا بأخذ دورة في اللغة الإنجليزية على حساب الدولة قبل عودتهم إلى أرض الوطن، قدمت لمعاليه المعروض وأكدت أنني لا أطلب شيئا لنفسي وإنما لمن سيتخرج بعدي من الزملاء نظرا لأنهم بأمس الحاجة إلى ذلك في حياتهم العلمية والعملية المقبلة، كانت مقابلة ممتعة جعلني يرحمه الله خلالها أنا المتحدث وهو المصغي وسألني عن كل ما يتعلق بتسهيل وضع المبتعثين. ماذا حدث بعد هذا اللقاء؟ في اليوم التالي -وليس الذي بعده- صدر قرار باعتماد السماح لجميع الخريجين من ألمانيا بأخذ دورة في اللغة الإنجليزية في بريطانيا ولمدة ستة أشهر على حساب الدولة قبل عودتهم لأرض الوطن، ويطبق القرار اعتبارا من تاريخه. هذان كانا موقفين فقط من المواقف الإدارية الراقية والإنسانية العديدة لمعاليه يرحمه الله البعيدة عن التعقيدات البيروقراطية، كانت المصلحة العامة هي ديدنه في كل القرارات. جزاه الله أحسن الجزاء وأسكنه فسيح جناته.