عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري ">
المراهقة مرحلةٌ عمريَّةٌ, تمرُّ بالمرءِ في حياته, تبدأ بالبلوغ وهي غالباً من الثانية عشرة إلى التاسعة عشرة أو الحادية والعشرين, وبما أنَّ هذه المرحلة مفصليَّةٌ في حياة الإنسان, تنقله من الطفولة إلى النضج, فإنَّ ثمة رسائل حبٍّ أهديها إلى كل مراهقٍ ومراهقةٍ:
الرسالة الأولى: إنَّ من توفيق الله للمراهق والمراهقة, النشأة على طاعة الله تعالى, فعلى المرء في هذه المرحلة الاهتمام بشأن الصلاة مع الجماعة في المساجد, بالنسبة للفتيان, والصلاة في أول وقتها للفتيات, وعدم التفريط فيها بتاتاً, والحرص على أذكار الصباح والمساء, وتلاوة ما تيسَّر له من القرآن الكريم, وكثرة ذكر الله من استغفارٍ وتسبيحٍ ودعاء...فإنَّ لذلك أثرٌ كبيرٌ في الصلاح والسلامة من الآفات والشرور.
الرسالة الثانية: على من بلغ هذه المرحلة من الفتيان والفتيات, أن يحرصوا على الصحبة الصالحة التي تُعينهم على الخير وتحذرهم من الشر, وكم نال الفلاح والسعادة والتوفيق من صَاحَبَ الأخيار, وكم نال الندامة والتعاسة والشقاء من صَاحَبَ الأشرار, ولا تتهاون في أمر الصحبة, فإنما الصاحب ساحب, وكلُّ قرين بالمقارن يقتدي, ولا تقل أيُّها الفتى أو تقولي أيتها الفتاة: إنَّ المعصية يقع إثمها على فاعلها ولا تضرني, فإنَّ من وقع في المعصية فإنَّه يريد من صاحبه أن يقع فيها مثله, ويهوِّنها ويسهِّل أمرها, حتى يزيِّنها؛ ليوقعك فيها.
الرسالة الثالثة: هذه المرحلة مهمَّةٌ في مسيرتك في هذه الحياة, فاحرص على ما ينفعك فيها, ولا تعجز, ولا تيأس, وجاهد نفسك في دراستك, وفي استثمار أوقاتك وعمارتها بما ينفعك في دنياك وآخرتك, وحاسب نفسك عمَّا يصدر منك من أخطاء ؛ لتتلافى الوقوع فيها مستقبلاً, وتتوب إلى الله منها.
الرسالة الرابعة: في هذه المرحلة تهتم وتحرص على إبداء رأيك, إذ كنت سابقاً لا ترع لهذا الأمر اهتماماً, وعرض الرأي وإبداء وجهة نظرك مهمَّةٌ, لكن عليك أن تبديها بهدوءٍ وبدون تعصَّب, وإن رأيت رأياً خيراً منه فتراجع عنه, فالرجوع للحقِّ فضيلةٌ لا عيب فيها ولا منقصة, إنما المنقصة والعيب في الاستمرار على الخطأ, وعليك في هذه المرحلة باستشارة والديك, فلن تجد أنصحَ منهما, ولن تجد أحبَّ إليهما منك, ولا تُقدِّم على رأيهما رأي أحدٍ من أصحابك, ولا أحداً غيرهما, فوالداك وإن قسيا عليك, فإنَّما هو من محبِّتهما, وإرادة الخير لك.
الرسالة الخامسة: في هذه المرحلة تريد أن تكون عضواً نافعاً بين أسرتك وفي مجتمعك, وتريد أنْ يحالفك التوفيق في حياتك, فإنَّ هذا سهلٌ ولكن لا بدَّ من عمل, وعدم اتباع الهوى, فاجتهد في إصلاح ما بينك وبين الله, وكن قريباً إلى الله, دائم الصلة به, واعلم أنَّه يراك, فلا يراك إلا على ما يرضيه عنك, فإنَّه إن رضي عنك, وأحبَّك, فإنَّه يأمر الملائكة بمحبتك, ويلقي في قلوب الناس حبَّك, فمن أحبَّه الله وفقه وأسعده ورفع ذكره وأعلى قدره وشرَّفه, ويسَّر له كل عسير, وسهَّل عليه كل صعب.
الرسالة السادسة: في هذه المرحلة عليك بطاعة والديك وبرِّهما, فإنَّ البر من أعظم الطاعات وأجلِّ القربات, ولا تنظر إلى إخوانك وأخواتك, بل كن أنت المبادر في خدمتهما وطاعتهما, فإنَّما الأبناء والبنات في سباق, فمن كان أكثر برَّاً كان أكثر توفيقاً وأجراً, وأكثر الموفقين هم من البررة بوالديهم, وإياك أنْ تتضجر أو تتضايق إذا أمرك والدك أو أمرتك أمُّك, دون سائر إخوانك, بل عليك أنْ تفرح؛ إنْ طلبا منك أمراً دونهم, ولعلك تبلغ منزلةً في الدنيا والآخرة لا تنالها إلا ببركة دعائهما, فيوفقك الله ويبارك في مالك وذريتك وعمرك.
وقفة: استثمر مراهقتك في طاعة الله وعبادته, فأكثر من نوافل الطاعات, وزكِّ نفسك بها, ولا تصحب إلا صالحاً, ولا تتبع نفسك هواها, واحرص على ما ينفعك, وعلى برِّ بوالديك, تنل سعادةً وفلاحاً.
- خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير