د. آل الشيخ: لا يعالج الناس إلا متخصصاً في الطب ولا يرشد إلا عارفاً ولا يقول ويفقه في دين الله إلا عالماً ">
الجزيرة - واس:
أوضح عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ أن الناس تختلف في مفاهيمها وآرائها وتصوراتها وأفكارها مرجعاً ذلك إلى اختلاف طبيعة النفس البشرية التي يسهل على ضعاف العقول ومن لهم أهواء إشاعة الفوضى بينهم بالأقوال والأفكار، مؤكداً أنه لا يعالج الناس إلا متخصصاً في الطب ولا يرشد إلا عارفاً ولا يقول ويفقه في دين الله إلا عالماً ولما كان الكلام مقدوراً لكل أحد تساهل أقوام في الكلام وقد سبقهم آخرون قالوا مقولتهم فنزل فيهم قرآن لو نزل على الجبال لتهدمت.
وبين الدكتور عبدالله آل الشيخ في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض أنه في غزوة تبوك في جيش العسرة قال أُناس مقولتهم ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه معتذرين فنزل قوله تعالى إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ، مشيراً إلى أن المتأمل لهذه الآيات لا يصدع منها قلبه ويقشعر منها بدنه ذلكم لأن الله قال (قد كفرتم بعد إيمانكم) فأثبت لهم الإيمان سابقاً والكفر لاحقاً ولعل الظاهر أنهم لم يستهزؤا بالله ورسوله وآياته صراحة ولكنهم استهزؤا بحملتها فهم استهزؤا بالمحمول وما حمل. وأكد أن هناك تساهلاً من الناس في كتابة المقالات ورصف الكلمات وصدور التعليقات غير آبهين بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في نار جهنم أبعد ما بين المشرق والمغرب) فإذا كان هذا الأمر يكون من أفراد فكيف بصحف سيارة ومنابر إعلامية جرارة.
وأضاف أن للكلمة مسؤوليتها وأن الانفلات في الأقوال والأفكار يؤذن بأمور عظيمة كالشقاق والنزاع وشق الصف وتمزيق اللحمة الوطنية، مشيراً إلى أن الذي يلحقه العار هو من يصر على معصيته ويكابر فيها ويعارض حكم الله برأيه فمثله كمثل الكوز مجخي لا يعرف معروف ولا ينكر منكر. وأبان أن الواجب عند النزاع في أمور الشرع رد الناس إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم الذين يستنبطونه من الوحي لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: إن الواجب عند النزاع لا يفصل بين الناس إلا وحي منزل ولو رد الناس إلى عقولهم فإن لكل إنسان عقل، يقول الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ورحم الله من قال لو سكت كل أحد عما لا يعلم لقل الخلاف. وقال الدكتور عبدالله آل شيخ إن مدار ذلك على اللسان فقد توافرت التوجيهات القرآنية والوصايا النبوية فيما لا يدعو مجالاً لأحد لعذر فحق على كل عاقل أن يحترز من لسانه فإن السكوت في وقته من شيم الرجال والكلام عن الحاجة إليه من أشرف الخصال ولذلك يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه قذف في النار). وأفاد أن حفظ اللسان دليل الإيمان وحسن الإسلام وهو الضمان لدخول الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام (من ضمن لي ما بين لحييه ورجليه ضمنت له الجنة) موضحا أن للكلمة أثرٌ خطير وحساب عسير سواء قيلت باللسان أو سمعت بالأصوات أو كتبت في الصحف والمجلات وتناقلتها المواقع والمنتديات. وأوضح أن تتبع أخطاء الناس وزلاتهم من أقبح الذنوب خطراً وأكثرها إثماً لأن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه فكيف إذا كانت غيبة لأهل الصالحين وتنقصا ظاهرا وباطنا لأهل العلم من غير حجة ولا برهان مهيبا الجميع بالترفع عن الكلام عن الآخرين واستنقاصهم فكمال العقل يورد نورا في القلب وراحة في البال وبركة في الوقت وتوفيقا للعبد، مشيراً إلى أن الحديث عن الآخرين وتنقصهم دليل فساد القلب ومحو بركة الوقت وعدم التوفيق للبعد قال -صلى الله عليه وسلم- (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
وقال إن عقيدة الإسلام عقيدة ظاهرة جلية ليس فيها شك ولا ريب قال تعالى وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ، لافتاً الانتباه إلى أن متى استقام القلب والعقل انتفى كل شك وكل ريب وكل خرافة قال تعالى إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا .
وأبان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن مما يستوقف الناظر ويدعوا إلى المحاسبة قوله -صلى الله عليه وسلم- (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) ، مشيراً إلى أن للكلمة أثرها وللصورة معناها سواء قيلت في خطبة أو محاضرة أو مقالاً أو تغريدة من خطيب أو محاضر أو كاتب ونقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل بتقنياته ووسائطه، محذراً من التساهل في ذلك لما له من سلبيات على أهواء وأفكار الناس وما يفعله بعض الناس بتناقلها في هواتفهم المحمولة ويحاولون إدراك قصب السبق في نقل المعلومة أو الخبر بغض النظر عن صحتها إضافة إلى أن هذه الأمور قد تؤدي إلى أمور عظيمة في الدين والعقيدة والوطن لأن كثيراً منها لا يعرف قائلها ولا يعرف مصدرها فهي بلا موثوقية ولا مصداقية. وأوضح الدكتور عبدالله آل الشيخ أن هذه الوسائل وسطاً خصباً وبيئة لنقل الإشاعات المغلوطة وكثيراً ممن يشتغلون بها أناس فارغون لا يملؤون أوقاتهم فيما ينفع دينهم ووطنهم وعقيدتهم فكم من تغريدة قالت لصحابها دعني، مشيراً إلى أن أمن المعلومات تجعل المسؤولية مضاعفة والحرية مضبوطة بضابط الدين والعقل والضمير فكم فضحت هذه الوسائل أصحابها. وأشار إلى أن الهدم سهل والانحدار إلى الهواية لا يكلف وأن المراقب والمتابع لحال إخواننا وجيراننا يجد أنهم يصبحون على عبوة ناسفة أو قذيفة مدمرة وبعض القوى الدولية والإقليمية يحاولون إذكاء نار الفتنة والصراعات المذهبية والدينية والعرقية من أجل تشتيت الدول وتفريق الشعوب فالعاقل من وعظ بغيره.
ودعا عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى شكر النعمة والمحافظة على هذا الوطن ليكون لأبنائنا وأجيالنا من بعدنا، محذراً في الوقت نفسه من خطباء الفتنة والسوء دعاة تمزيق الأوطان الذين يحرصون على إذكاء الفتنة والصراعات وتفريق الشعوب، مبيناً أن وحدة الوطن لا يجوز المساس بها تحت أي مسوغ وتحت أي ظرف مستشهداً بقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقوله عز وجل {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}.