«وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ»
(التكوين)
في كتابه الرائع «تطور المتع البشرية.. رغبات وقيود» يرى العالم والطبيب النفسي والمختص في شؤون الإدمان
«شارل كونريج» أن البشرية تمضي سريعاً نحو الإفراط في استهلاك المتع حتى فقدت اللذة في التمتع بأي شيء متجاوزة ومعطلة ذلك المنسق الخفي داخل النفس البشرية والذي ينظم الرغبة والإشباع أو ما يُسمى بالمتعة والمكافأة، وبالتالي انعدام الرضا الكلي وانتفاء الشعور بالقناعة، ومن ثم تسريع البحث في محاولة لردم هوة الاحتياج ومحاولة خلق متع جديدة ما تلبث أن تتقادم مخلفة الشعور بالخواء حتى انتهى الإنسان إلى ما يشبه الرغبات التي لن تنتهي.
ويقول: لقد وصل مجتمعنا إلى متع شديدة التنوع وولّد رغبات لا تشبع وأفرز غياباً للمساواة.. إنه مصدر مؤلم للمكبوتات والأحقاد.
هذا التعطش المتنامي أبقى الإنسان أسير الرغبات والاستهلاك سواء احتاج ذلك أم لم يحتج, ذلك لا يهم وكل ما حوله يقول لك اشتر.. امتلك وآلة الدعاية الرهيبة تزين له كل شيء والبنوك تعده بالقرض والتسهيل في الدفع حتى سقط الإنسان ليس في جحيم هذه الرغبات التي لن تشبع ولكن في عدم الإحساس بما يمتلك يتساوى في ذلك الطفل والمرأة والرجل.
والمشكل هنا ليس اقتصادياً فقط وهو مهم ولكن هذا التسارع ردم الهوة بين تتابع الزمن وقضى على التسلسل الطبيعي بين الأجيال وما عاد للآباء ما يعلّمونه للأبناء حيث هم أصبحوا عاجزين عن تلمس هوية الأشياء والمعارف والآلات تحديداً ومن ثم نقل معارفها للأبناء.
بل ربما بات لزاماً لعب أدوار معكوسة حيث أصبح الأبناء أحياناً في مقعد المعلم فهم الجيل الرقمي في ما يحاول الآباء والأمهات أيضاً جاهدين وعاجزين عن هضم وملاحقة هذه المبتكرات المتسارعة، وهو ما زرع الشعور بالغربة وحتى الكآبة داخل الفرد؟
الأغنياء منهم يحاولون إبطاء الزمن عبر امتلاك أشياء غالية وثمينة جداً.. طائرات خاصة.. يخوت.. جزر مجوهرات ثمينة جداً ومن خلال ألعاب تبطئ مفهوم الزمن كلعبة الجولف وألعاب أخرى يختص بها الأغنياء وحدهم.
الفقراء سقطوا في فخ الكآبة.. هذه الكبة هي في المقام الأول إعلان بأن تركيبة الإنسان الفسيولوجية عاجزة عن مواكبة هذه التحولات ولم تخلق من أجله أصلاً، وهي أيضاً وسيلة دفاعية لتحاشي المزيد من الخسائر الاجتماعية والركض المرعب.
ولكن هل سنتوقف هنا أعني التوقف في محيط التسارع اللا مشبع والشعور بعدم الأمان..؟
لا أعتقد وربما الأخطر هو ما نسمع عنه في جيوش الدول المتقدمة والتي بدأت بتزويد عقول أفرادها بشرائح إلكترونية تساعدهم على التعامل السريع مع الكم الهائل من المعلومات والمستشعرات اللاقطة لها والتي أصبح عقل الإنسان البشري وحده عاجزاً عن ملاحقتها.
فهل وصلنا للرجل السوبرمان الذي بشّر به الفلاسفة، وهل سنتحول من عقول وعواطف إلى ربوتات إلكترونية وهل هو نهاية أو موت الإنسان؟
فيلسوفنا أو عالمنا السيد «شارل كورنج» يظن ذلك لكنه يبشر بأمل صغير ويقول: «وإذا كان لا بد من إجراءات ذات أولوية للحفاظ على طاقة المتع المستقبلية, الهادفة إلى تأمين أفضل بيئة ممكنة لأبنائنا فهو حب اليوم والذي حتماً سيؤمن لهم متع الغد».
- عمرو العامري