قبس من ذاكرة الحنين ">
(1)
كنتُ هناك!
ألتقط بقايا الذكريات؛ لأضعها في سلتي الممتلئة بكلّ التّفاصيل.
هناك!
كان أوّل فنجان شربتُ غياباتي بعده!
(2)
لاشيء يمنع الحنين، عندما يزورنا الراحلون في المنام!
هذه الزيارات الخاطفة، بلا وعي، ولا استئذان ،تشعل قناديل الذكريات المظلمة
ترسل عطرها؛ ليسكن كلّ حجرات التذكر.
إنّها تجعل الذاكرة تسرف بالثرثرة عنهم؛ لتتذكر حتى التفاصيل الصغيرة التي لم نكن نلقي لها بالًا وهم بيننا.
(3)
عندما ننضج يتملكنا الحنين إلى أن نعود أطفالًا لا نعبأ للغد، نعيش يومنا بعبث.
لا تعنينا عقارب الساعة,ولا نخطط لأولويات.
(4)
إذا تكورت ذاكرتك جمرة تحرق بهدوء؛كلّما حرثها الحنين, ونفخ فيها من روحه؛
فثق أنّ حزنك سيطول, مالم تقطع ذلك الشريان الذي يغذيه!
(5)
المعتادون على التراجع إلى أعماقهم, كلّما استبشعوا واقعهم؛ يشعرون بالقوة في الأعماق.
يتعبون كلّما انصهروا مع الخارج, حتى يفقدوا الثقة في كلّ شيء!
(6)
لبيوتنا العتيقة ذاكرة يكورها الحنين.
تلك البيوت لم تكن للتباهي!
كانت أكبر غاياتها, أن تكون مكانًا تجتمع فيه القلوب.
كانت ضيّقة, بصدور متسعة.
رثّة, بقلوب فاخرة.
(7)
كي تتعرفَ على المسافات التي قطعها الزّمن جريًّا, وأنت غافل؛ يكفيك أنْ تزورَ بلدًا قد زرتها في مقتبل العمر، ثُمّ تعود إليها بعد سنوات؛ لترى كم لحقها من التغيير.
المدنُ يمكنها أنْ تُخبرك, بأنّ كلَّ شيءٍ يمكنه أنْ يكبرَ؛ ليفوقَ حدودَ مُخيلتك!
ستُخبرك بأنّ للزمن أقدامًا سليمة, تركضُ بهِ, حتى وإنْ توقفتَ أنتَ!
(8)
من أوجع مايمر بالمرء بعد رحيل الأحبة؛ أن تلامس ذاكرة المكان جرحه!
أن تنكش صمته, وتُذيب جليده.
يا الله!
كيف لذكرى الأرواح الميتة, أن تحيا أطول بكثير من ذكرى الحياة التي اُستلبت منها!
(9)
الزِّقاق العتيقة على الرغم من ضيقها؛ إلا أنها تتسع لكلّ الحكايات التي عبرتها.
إنّها قادرة على أن تمنحنا فرصة تصور الحياة بين زمنين متباعدين؛ يتلخصان في: كان, وصار.
(10)
أحِنٌّ كثيرًا لطيشي معك
وأفرح إذا ما الحنين أوجعك
لأنّك مني إليك أعود
كستك المشاعر ثوب الملك
أغث قلبي الصّد مما جرى
حرمني حبك لذيذ الكرى
أسافر منك إليك أعود
بدعوى الأماني, وتلك الوعود.
د. زكية بنت محمد العتيبي
Zakyah11@gmail.com