رقية الهويريني
إن أشد ما يفتك بمجتمعنا حالياً ويشعل فتيل الإرهاب هو الطائفية المقيتة، وبالتحديد الجدل الدائر حول السنة والشيعة، وثمة أمر خطير يغذي الفرقة ويحدث الشرخ وهو الخطاب الديني المتشدد من الطرفين الذي يكفر ويخرج من الملة، وقد تحول لفعل اجتماعي لدرجة أن أصبح السني أو الشيعي المسالم يتساوى في النظرة الاجتماعية مع المحرض والمعتدي والمفجر من الفئتين!
وبرغم أن المملكة بلد مستقر سياسياً واقتصادياً إلا أنه بالواقع غير مستقر اجتماعياً، حيث يتعرض لهجمات إرهابية متبادلة وعلى يد أبنائها، فضلاً عما يواجهه المواطن من مضايقات ونفور منه حين يكون وسط فئة لا ينتمي لها!! ونحن المواطنين يجمعنا وطن كبير يستحق أن نسعى لاستقراره وبنائه.
وما حصل من تفجيرات في أحد مساجد الأحساء مؤخراً هو استكمال لتفجيرات طائفية، ويمكن احتساب تفجير مسجد السنة في عسير تفجيراً طائفياً أيضاً والذي استهدف رجال الأمن الذين يقومون بمحاربة الإرهاب وحماية الوطن وشعبه من السنة والشيعة!
والحق أنه لا يزال الخطاب الديني المتطرف من الطرفين لا يولي شأن الانتماء الوطني العناية، ناهيك عن الدعوة له، إن لم يكن إهماله مقابل الاهتمام بالطائفية.
إن الانسلاخ عن المواطنة والشعور بها أحدث شرخاً بين بعض أفراد المجتمع الذي ينتمون له، لاسيما ممن يعد نفسه من الملتزمين بالدين من الجانبين! مما ساهم في تغييب مفهوم الولاء للأوطان في سبيل بث الدعوات الطائفية وتضخيم مفهومها، وزعم كل فئة بأنها هي الفرقة الناجية، وغيرها في النار!
ولعله بات من الضروري نبذ الطائفية والتأصيل الشرعي لفقه الانتماء والمواطنة من خلال توجيه خطباء المساجد لتوعية المجتمع، وكذلك ممن يعتلون المنابر من الوعاظ المنتشرين في المساجد وممن لهم مريدون وأتباع ومنتهجون لأسلوبهم في قنوات التواصل الاجتماعي، لاسيما وأن أولئك الوعاظ تسببوا بوجود هذه الفرقة بين أفراد المجتمع من خلال تغريداتهم المنشورة، والتي تدعو لتصفية الطرف الثاني والتخلص منه! وساهموا بجدارة في شحن الناس وتضليلهم، وأحدثوا الخلل في الأفكار! لذا ينبغي إيضاح أولويات فقه الدعوة والعمل الوعظي وترسيخ المبادئ الشرعية بين الأئمة والخطباء، وإلزامهم بإحلال شأن المواطنة والانتماء للوطن بدلاً من التركيز على القضايا الخارجية وزرع الفتنة والصراعات الإقليمية التي تشهدها الدول العربية والإسلامية مما هو خارج اختصاصهم، وتتبع المغردين الذين يذكون نار الطائفية ومحاسبتهم.
وليس من حل جذري لهذه المعضلة ووقف النزيف ودحر الإرهاب إلا بالاعتراف بوجودها وإصدار قانون يجرم الطائفية كتابة وقولاً وفعلاً.