مهرجان الجنادرية.. البذرة الأولى لاستعادة الاهتمام بالتراث في المملكة ">
شكّل المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية البذرة الأولى لاستعادة الاهتمام بالتراث والاحتفاء به، بعدما كان المجتمع السعودي حينما انطلق المهرجان في عام 1405 هـ منخرطاً في مجالات التنمية، ومظاهر المدنية والتحضُّر في كافة مناحي الحياة سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية أو الثقافية أو العمرانية، فجاء انطلاق مهرجان الجنادرية ليمثّل بداية لإبراز التراث الوطني وحشد الاهتمام به، لتتوالى بعد ذلك الفعاليات والمبادرات والمشاريع المتعلقة بالتراث الوطني في مختلف مناطق المملكة. وفي هذا الإطار أكد عدد من المسئولين في مجالات التراث على الدور الهام لمهرجان الجنادرية في حفظ التراث وإبرازه والتعريف به ودعم جهود بقية الجهات المهتمة بالتراث، منوهين بالدور الرئيس لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان في ظهور وتطور هذه التظاهرة الثقافية والتراثية الهامة.
تجربة تراثية متكاملة
فقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في مقالة سابقة له أن مهرجان الجنادرية أصبح عرساً ثقافياً ومناسبة لاجتماع التراث الوطني في مكان واحد، وحلقة تربط الماضي الأصيل بالحاضر المشرق، والخيط الذي انتظم به عقد التراث ليعزز لدى الأجيال الناشئة الاعتزاز بهذا الموروث الوطني الغني، وليقفوا أمام هذا المنجز الحضاري والتراثي والثقافي الثري الذي صنعته سواعد الأجداد وحافظت عليه بصدق وإخلاص، وليطلعوا على مظاهر الوحدة الوطنية التي استطاعت أن تُؤلف بين القلوب والأنفس، وأن تحتوي التراث بمختلف أطيافه، إنه المهرجان الذي يتيح لجميع أفراد المجتمع وشرائحه وفئاته بدون استثناء أن يعيشوا تجربة تراثية متكاملة، وأن يطلعوا على صفحات مضيئة من تاريخنا وتراثنا الوطني العظيم بعد أن كان وجودها محصوراً في الكتب التاريخية والمناهج الدراسية.
وأضاف: «ولا شك أن مثل هذه المناسبات الثقافية والتراثية هي محط التقدير والاهتمام والدعم الكبير من قبل سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي حفلت حياته بالعديد من المبادرات الطموحة والمشاريع النموذجية التي تسعى إلى الحفاظ على التراث بصفته أحد المكتسبات الوطنية التي تجب المحافظة عليها وتعزيزها في نفوس الناشئة».
وأشار إلى أن استمرار وهج مهرجان الجنادرية في كل عام، وتواصل عطاءاته على كافة المستويات سواء الفكرية منها أو التراثية أو الثقافية أو الاجتماعية، كان مرهوناً بقدرته على مواكبة الأحداث والمتغيرات المحيطة به، وتوظيف المستجدات المحلية والإقليمية والدولية لخدمة غاياته، ومواصلة نهج التطوير والتحديث في كل عام حتى أصبح اليوم أهم تظاهرة وطنية للتراث والثقافة، بل رائداً للمهرجانات الثقافية في المنطقة، بفضل الله أولاً وتوفيقه ثم بدور خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان.
وأضاف سموه: «إن التراكمات المعرفية والثقافية التي استطاع مهرجان الجنادرية أن يرسخها خلال الأعوام الماضية بدأت تؤتي ثمارها، بل إننا أصبحنا نلمس بحكم المسؤولية في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني نقلة نوعية في النظرة إلى الموروث الوطني، وشهدنا تحول النظرة تجاه التراث من الازدراء إلى الاعتزاز، وبعد أن كنا نسعى إلى إقناع المجتمع بأهمية المحافظة على التراث الوطني لارتباطه العميق بهويتنا الوطنية وإرثنا التاريخي والحضاري، بدأ المواطنون والمجتمعات المحلية يطالبون الهيئة بحماية المواقع التراثية في مناطقهم والحفاظ عليها وتأهليها لتكون شاهداً على الإرث الوطني المرتبط بكل منطقة، ولتؤكد ما تمتاز به المملكة من بُعد حضاري وعمق تاريخي، ولإدراكهم أن ذلك سيكون له مردود اقتصادي كبير يعود عليهم بالنفع والفائدة وذلك من خلال دعم وتنشيط الحركة السياحية والاقتصادية في مناطقهم وما يستتبعه ذلك من توفير فرص العمل، فنحن ننطلق من قناعة راسخة بأن الهدف الأساس من أي تنمية هو الإنسان السعودي في المقام الأول».
واختتم سموه: «لقد بدأ كثير من المواقع في بلادنا الغالية يتحول من مواقع أثرية وقرى تراثية وأواسط مدن خالية من الحياة، إلى مواقع تضج بالحياة ويعيش فيها الناس ويؤمها المواطنون وأسرهم، فنحن نريد لتلك المواقع أن تتحوّل إلى مورد اقتصادي كما هو الحال في أنحاء العالم اليوم، نريد أن يجد فيها المواطن الفرص الاستثمارية، وأن تكون مورداً غزيراً لفرص العمل للمواطنين رجالاً ونساء، وأن يجد فيها المتعة وهو يستثمر ويقدّم خدمة لأخيه المواطن، كما يجد فيها المتعة وهو يحتفي بتراث بلاده، هذه المواقع مناجم من الفرص الكامنة وآبار نفط غير ناضبة يجب أن نهيئها للمواطنين كي يغتنمونها ويستثمرونها».
تظاهرة عربية تراثية
من جهته أكد معالي الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام المكلف لدارة الملك عبد العزيز أن مهرجان الجنادرية يُعد مناسبة اجتماعية بارزة على مستوى الوطن تترجم العلاقة الوطيدة بين القيم الثقافية الحاضرة والإرث الحضاري المتكون على مر تاريخ الدولة السعودية مما يعكس أصالة الإنسان السعودي ودوره في صياغة الحاضر المتطور على أسس تاريخية إسلامية عريقة.
وأشار إلى أن المهرجان انطلق ليكون حاضنة للذاكرة الشعبية ومعبراً يلقى اهتمام المجتمع المحلي والعالمي بالتراث السعودي الأصيل ليبقى بذلك رمزاً ثقافياً للأجيال المعاصرة والمقبلة وأنموذجاً استنسخت عدد من المجتمعات العربية فكرته التي استوعبت حواراً فكرياً وثقافياً واسعاً بين المثقفين ورجال الفكر العرب ليكون بذلك المهرجان تظاهرة عربية إسلامية على أعلى المستويات المعرفية لإثراء وتحفيز المناقشة حول المشترك الثقافي العربي في ظل المنعطفات الفكرية للمجتمع الدولي مع دوره التعريفي للتراث المحلي وتوثيقه.
ونوه إلى الدور التراثي والثقافي والمعرفي للمهرجان الذي ترك توثيقات مهمة لمسارات اجتماعية واقتصادية وثقافية خلال دوراته الماضية وعمره الطويل، واضعاً أمامه تاريخ وطن لا تغيب عنه شمس التطور والتحديث بما لا يحيد عن جذوره ومبادئه العظيمة التي غرست فيه منذ تأسيسه المؤثر. وأضاف: مرت ثلاثة عقود بمهرجان الجنادرية مملوءة بخدمة الثقافة الإسلامية ومؤازرة مبادئها وقيمها واستظهارها لمن قد لا يدركها، والوطن يتحلق بمختلف لهجاته ومكوناته وشرائحه ومدنه وبيئاته الثقافية المتناغمة حول الجنادرية المعْلم الثقافي الأبرز في الشرق الأوسط، والتراث عريس سنوي نتغنى به ويتغنى بنا مشيراً الى أن هنا وطناً ضارباً في التاريخ وحضارة لن تبيد لأنها قامت على الإسلام وسارت بهديه وشريعته فلا مضل لها.
قيمة معرفية كبرى
من جانبه أكد الدكتور أحمد الزيلعي عضو مجلس الشورى أن مهرجان الجنادرية أعاد إلى أبناء المملكة الوعي العميق بموروثه وتراثه وأصالته.
وقال: من حسن حظي أن كان لي مع الجنادرية حضور من دورة إلى أخرى، منذ بدايات انطلاق المهرجان، وذلك من خلال عملي الأكاديمي رئيساً لقسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود بالرياض، إذ كنت أشرف حينها على مشاركة جناح الجامعة في الجنادرية، إلى جانب ما شرفت به من مشاركتي - أيضاً - عضواً في لجنة المشورة الثقافية في دورة أخرى، ما يجعل لهذا المهرجان الوطني مكانته الخاصة في نفسي وفي نفوس المثقفين خصوصاً وأبناء الوطن عموماً، ولما يعنيه لنا هذا المهرجان من قيمة معرفية كبرى.
ومضى د. الزيلعي قائلاً: يُعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة من أهم وأعظم التظاهرات الثقافية في المملكة، الذي حقق إلى جانب هذه المكانة حضوره عربياً، وحضوراً ومكانة في أنظار العالم، إلى جانب ما يمثّله - أيضاً - المهرجان بوصفه تظاهرة ثقافية موسمية، أعادت إلى أبناء المملكة الوعي العميق بموروثه وتراثه وأصالته، وجسّدت أمامه ما كان عليه ماضينا، وما عاشه أجدادنا، وما سلكوه من سبل الحياة التي لم تدركها الأجيال اللاحقة بهم، في ظل ما تحقق لبلادنا منذ أن وحّد كيانها الملك المؤسس - رحمه الله -، وفي ظل ما تحقق لها من منجزات ومكانة حضارية وتقدم ورقي بفضل الله، ثم بفضل إخلاص وتفاني أبنائه البررة المخلصين من بعده.
وأشاد د. الزيلعي بما يشهده المهرجان الوطني للتراث والثقافة من دعم متواصل، وتطوير مستمر، وتجدد متنامٍ من دورة إلى أخرى ليظل مشرقاً في عيون المشاركين فيه، والمتابعين له داخل المملكة وخارجها.