يوجد في المملكة أكثر من 9 ملايين وافد، يقومون بأعمال كثيرة تخدم الاقتصاد الوطني ويسهمون في تنفيذ خططنا التنموية.. لن أتطرق في هذه المقالة لسلبيات تواجد عمالة وافدة بنسبة تزيد على ثلث عدد السكان؛ فهذه السلبيات يتم تداولها وترديدها كل ساعة وكل يوم بمختلف وسائل الإعلام، ومللنا سماعها وتكرارها في كل لقاءاتنا؛ سواء الحكومية أو الخاصة.
كذلك مما يتم ترديده أن المبالغ المحولة للخارج من قبل العمالة الوافدة في تصاعد، ويتوقع أن تصل إلى 150 مليار ريال عام 2015م.. ولكن مصيبتنا في موضوع العمالة الوافدة هي أسلوب إدارتنا لها.
ولأني أكره الإسهاب والتفاصيل فسوف أدخل في صلب القضية مباشرة.. ولعلي أبدأ بضرب الأمثلة.
ولنأخذ مدينة الرياض؛ حيث هي مقر جميع الوزارات الحكومية وغالبية الوزارات تقع متجاورة على شارع الملك عبد العزيز.. كل وزارة على حدة موقعة عقداً مع شركة لتنفيذ عملية نظافة وصيانة مبناها.
كل عقد منصوص فيه أن لا يعمل العامل أو الفني أكثر من 8 ساعات، ومنصوص أيضاً ألا تعمل ذات العمالة إلا لهذا العقد ولهذه الوزارة بالذات فقط.
هذا يعني أن وزارة التجارة (مثلاً) تعمل فيها قوة عاملة قوامها 300 فرد × 8 ساعات يومياً.. وكل وزارة أخرى على نفس المنوال.
والسؤال هو: إذا قامت هذه العمالة بعملية النظافة خلال ساعتين في بداية الدوام وقام فنيو الكهرباء والتكييف والسباكة وزملاؤهم بأعمال الصيانة (إن كان هناك حاجة لها) خلال ساعة أو ساعتين.. فلماذا الحجر عليهم في مبنى الوزارة ليقضوا 6ساعات بدون عمل.. لماذا لا يسمح لذات العمالة بالعمل وتنظيف وصيانة مباني الوزارات الأخرى المجاورة؟
مثال آخر:
في الرياض عدة جامعات.. حسب علمي، فإن جامعة الملك سعود ومرافقها لا يقل عدد العمالة المخصصة لنظافتها وصيانتها عن 2000 عامل، وجامعة الإمام محمد بن سعود يصل عدد عمالتها إلى ذات الرقم، وإنني على يقين أن 2000 عامل لو سمح للمقاول أن يستخدمهم في الجامعتين لكفوا ووفوا، بل ولأمكنه الاستفادة منهم في مباني أخرى.
إذاً، عند توقيع عقد أي مشروع نظافة أو صيانة لأي مرافق حكومية؛ فالنصيحة هي عدم اشتراط أن تكون كل ساعات عمل العمالة مخصصة فقط للمنشأة موضوع العقد، وإنما ينص على عدد الساعات التي يحتاجها العمل كساعتين أو ثلاث أو أربع وتترك الحرية للمقاول أن يشغل ذات العمالة في مواقع أخرى، أو كخيار آخر بأن لا تحدد أعداد العمالة من الوزارة وإنما يحاسب المتعهد على مستوى الأداء.
وفي حالة الجامعتين أعلاه رأينا أننا سنوفر نصف العمالة.
الشيء الآخر: وهو على نفس درجة الأهمية أن نظام العمل في المملكة وفي جميع دول العالم يسمح بتشغيل العامل 12ساعة يومياً (وفق الضوابط المتعارف عليها) على أن يعوض العامل وتحتسب له ساعة خارج الدوام بأجر ساعة ونصف.
ولكون العمالة من الحرفيين وما دون جميعهم يعيشون بيننا بدون عوائلهم، وليس هناك شيء يشغلهم بعد انتهاء العمل.. وهم لم يحضروا لبلادنا إلا للعمل وجني المال. فإنهم جميعاً يرغبون في العمل12ساعة يومياً.. وان لم يشغلهم كفيلهم بعد انتهاء الثماني ساعات ذهبوا للعمل لدى جهات أخرى بالمخالفة للنظام.. وربما دفعهم الفراغ إلى الجريمة كالسرقة وتصنيع الخمور وغيرها مما هو واقع ومشاهد.
الخلاصة: أن اتباع أسلوب المرونة في تحديد ساعات العمل وعدم الممانعة أن تتم الأعمال في الصباح الباكر قبل دوام الموظفين واتباع محاسبة المقاولين على أساس مستوى جودة العمل أكثر من التركيز على أعداد العمالة.. والنص في العقود على جواز أن تعمل العمالة في حدود 12ساعة وأن تشغل في أكثر من عقد واحد.
لو أخذنا بهذه السياسات فإننا سنخفض أعداد العمالة إلى النصف.
وزيادة في الإيضاح، وفيما يخص التشغيل12ساعة أضرب المثل التالي:
مبنى يلزم لنظافته وصيانته1000 عامل وفني، حسب العقد والنظام يجب تشغيلهم في المبنى كل واحد 8 ساعات.
هذا يعني المطلوب 8000 ساعة عمل يومياً.
نفس عدد ساعات العمل يمكن أداؤها بعدد 8000 × 12 = 666 عامل.
في هذا المثال فقط نكون وفرنا استقدام ثلث عدد العمالة.
فإذا كان عدد العمالة التي تعمل في قطاعات التشغيل والصيانة والتشييد والخدمات في المملكة حسب آخر احصائيات يزيد على خمسة ملايين فرد فإن التوفير سيكون مليوناً وسبعمائة عامل..
ثم إذا سمح للعمالة بالعمل في موقع آخر، كما وضحت أعلاه سيكون هناك توفير إضافي..
والمحصلة بكل تأكيد أنه يمكننا الاستغناء عن خدمات50% من هذه العمالة.
والله الموفق..
المهندس - ناصر بن محمد المطوع - رئيس مجلس الأعمال السعودي البريطاني