الجزيرة - علي بلال / تصوير - حسين الدوسري:
نظمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية متمثلة في كلية الإعلام والاتصال أمس حفل تكريم للدكتور بدر كريم -رحمه الله- لاهدائة مكتبته لجامعة الإمام بحضور مدير الجامعة المكلف الدكتور فوزان الفوزان ووكلاء الجامعة، حيث بدأ الحفل بكلمة وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي الاستاذ الدكتور فهد العسكر شكر فيها أبناء الدكتور بدر كريم رحمه الله بالوفاء بوصية والدهم رحمه الله الذي أوصى بتبرعه بمكتبتيه لجامعة الإمام، وقال: نحتفي اليوم لنتبادل الوفاء بالوفاء ولنحتفي بسيرة علم من أعلام الإعلام في المملكة وأهم ما تتميز به كلية الإعلام والاتصال في الجامعة إيمانها العميق بأن الإعلام مهنة لا تحلق إلا بجناحين مهنية وأكاديمية وسعت إلى الاستفادة من المهنيين والأكاديميين.
وقال» الدكتور بدر كريم -رحمه الله - علم وتعلم في جامعة الإمام وعلاقتي به أكثر من عشرين عامًا حينما التقينا على مقاعد الدراسة كنت حينها في بداية الماجستير وكان يدرس مواد تأهيلية للدكتوراه وبعدها انقطع لانشغاله بوكالة الأنباء السعودية ثم انتهت عضويته في مجلس الشورى بعدها عاد ليكمل الدكتوراه وتوليت الإشراف على رسالة الدكتوراه للدكتور بدر كريم أشرف عليه أتعبته وأتعبني فاتعبته بكثرة متطلباتي وتعديلاتي وأتعبني بجده وإصراره وإلحاحه، وفوجئت بسائقه في يوم إجازة الساعة السابعة صباحًا يطرق الباب أرسله الدكتور بدر كريم انتهى من جزئية رسالته وهذا تأكيد على جلده واهتمامه.
بعد ذلك ألقى عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام الاستاذ الدكتور عبدالله محمد الرفاعي كلمة قال فيها: نستذكر الدكتور بدر كريم لنتعرف على سيرته ونستفيد منها، ونقف اليوم نكرم الدكتور بدر كريم فيجب ان ندعو له بالرحمة والمغفرة وألا ننسى شهداءنا على الحد الجنوبي فهذا التكريم لكل سعودي وتكريم للوطن ونحن تربينا على مدرسة هذه البلاد بأن تكرم أبناءها في حياتهم وفي مماتهم.
بعد ذلك بدأت فعاليات اللقاء العلمي حول سيرة وإنجازات الدكتور بدر كريم - رحمه الله - حيث أدار الحوار الزميل الإعلامي المذيع عبدالله الشهري وبدأت الفعاليات بالمحور الأول: مسيرته الإذاعية والتلفزيونية تحدث فيها الاستاذ إبراهيم أحمد الصقعوب وكيل وزارة الثقافة والإعلام لشؤون الإذاعة سابقا وقال: التكريم بحد ذاته تكريم للمكرمين فهم بعملهم هذا يؤكدون أن أعمال الرجال تبقى كبيرة في نفوس الآخرين، أما المكرم رحمه الله فقد روى لنا تجاربه وذكرياته مع العمل فاختصر لنا الطريق للحديث عنه والمحتفى به يظل علمًا في عصاميته التي عشقت الميكرفون وأصرت على النفاذ من خلاله لتنتشر عبر الأثير، وكان حريصًا رحمه الله على أن يكون للإذاعة تميز في برامجها وفي معدي هذه البرامج وكان رحمه الله مدركًا لتفاصيل العمل إعدادًا وإخراجًا وتقديمًا وكان شخصية محترمة في التعامل مع زملائه لكنه لا يضحي بالعمل مجاملة.
وتحدث في المحور الثاني عن جهوده الصحفية الاستاذ خالد بن حمد المالك رئيس التحرير قائلاً:
عندما نتحدّث عن الدكتور بدر كريم - رحمه الله - فنحن نتحدّث عن ظاهرة إعلاميّة غير موجودة، وقد لا تتكرر في المستقبل، فقد مارس كلّ فنون الإعلام، متدرباً ثمّ خبيراً بها، بما لا يمكن أن يقال عنه إلا أنّه ولد إعلاميًّا، وعاش إعلامياً، ومات وهو لا يتحدث إلاّ بلغة الإعلام، عاشقاً له، ومؤثره على غيره من فنون ومعارف أخرى، كان يمكن أن يبدع فيها هي الأخرى لو وجّه بوصلته نحوها.
وكان لمساره نحو الإعلام، وولوجه في هذا الباب الصّعب في سني عمره المبكّرة، قصّة أخرى، وسيرة مميّزة، في زمن كان التّعاطي فيه مع الإعلام محلياً محدوداً للغاية، ويهابه الكثيرون، وغير منتشر بمثل ما هو عليه اليوم، والكفاءات في مجاله مع ندرتها تعتمد على مواهب وطنيّة محدودة في إمكاناتها ولا تغطّي الحاجة، أو تفي بالغرض، وكان بدر كريم بين هذه الطليعة من الأسماء الإعلامية، يطوّر نفسه، ويسعى إلى بلوغ هدفه، بما لا نجده في غيره في زمانه، لو أمعنّا النّظر، وزدنا في البحث والتّقصّي.
لقد بدأ حياته عصامياً، صوتاً مؤثّراً في الإذاعة السعودية ثمّ في التلفزيون وإن بشكل أقلّ، ومعدًّا ومقدّماً لأبرز البرامج الحوارية في الإذاعة، ولصيقاً بهموم المواطنين والمبتعثين، وإدارياً من طرّاز نادر، ورفيق سفر ومهمّات مع ملوك المملكة، ومن بين مهامّه الإعلامية أنّه كان مديراً عاماً لوكالة الأنباء السّعودية، ونائبًا لرئيس تحرير صحيفة عكاظ، وكاتبًا في أكثر من صحيفة، لينهي حياته العمليّة الإعلاميّة وغير الإعلامية باختياره عضواً في مجلس الشورى فأستاذاً في جامعة الإمام، إلى أن ودّع دنياه.
لكن طموح هذا الإعلاميّ البارز، ورغبته في تأهيل نفسه، وتمكينها من معالجة ما كان يشكوه من نقص في اللّغة والعبارة والموضوع، وهو يخاطب الناس، وفيهم من هو أكثر منه تأهيلاً دراسيّاً وثقافيّاً، حيث بدأ عمله بالإذاعة ولم يكن يحمل الشهادة الابتدائية، إذ إنّ شهادته عند دخول الإذاعة كانت الموهبة والإرادة والتّصميم ومواجهة التّحديات على هدف رسمه مبكراً، وسعى إليه إلى أن تمكّن من الحصول على الشهادات تباعاً، بما فيها شهادة الدكتوراه من جامعة الإمام.
وكلّ مراحل حياة بدر كريم الإعلامية تحتاج إلى توثيق، وإلى سجلّ للكتابة عنها، بل حتى حياته الإعلامية والثقافيّة والأكاديميّة، وسيرته في التأليف هي الأخرى تستحقّ أن يفرد لها الكثير ممّا ينبغي أن يقال، ولسوء حظّي أنّ المنظّمين لهذه الاحتفالية قد اختاروا لي أن أتحدّث عن المحور الذي يناقش إنجازات الفقيد الصّحفيّة في حدود عمله نائباً لرئيس تحرير صحيفة عكاظ التي امتدت بين عام 1403هـ - 1983م إلى عام 1406هـ - 1986م، ولمدّة ثلاث سنوات فقط، وهي الصحيفة الّتي يعدّها الفقيد مدرسته الصحفيّة الأولى في تعلّم فنون العمل الصحفي والإدارة الصّحفية، بعد أن كان كاتباً بها وبغيرها من الصّحف فقط، قبل أن يعمل فيما بعد بوكالة الأنباء السعوديّة مديراً عامًّا لها عام 1406هـ - 1986م، وحتى عام 1418هـ - 1997م ولمدة اثني عشر عاماً.
كما أن وكالة الأنباء السعودية، حين كان المسؤول الأول عنها، فقد كان جهازاً حكومياًّ منضبطاً وملتزماً بالتعليمات والتّوجيهات التي تصل من الجهات الأعلى في وزارة الثقافة والإعلام وغيرها من الجهات الحكومية، ولكونها تعتمد على المادة الإخبارية التي تصلها من الجهات الحكومية دون تدخّل إلا في أضيق الحدود، وربّما بعد التّشاور مع وزير الإعلام، فإنّ إمكانات بدر كريم في التطوير والإبداع، مثله مثل جميع من عمل قبله وبعده، لا يمكن أن تحدث ذلك الفارق الكبير الذي يفترض أن نرى فيه شيئاً من التّغيير والإبداع من مدير عامّ إلى آخر، لكنّه بالتأكيد كما زملائه وضع لمسات قد لا يلمسها أو يعرفها جيداً من هو خارج نطاق العمل بالوكالة.
غير أن هذا الانطباع لا يخفي أن بدر كريم وضع بصمته في الصحافة وفي وكالة الأنباء السعودية، بما لا يمكن أن يقال عنه إنه كان هامشياً، أو دون إنتاجية جيدة، فالرجل يملك أدوات الإعلام بخبرته الواسعة والطويلة، وقد حسّنها وصقلها وأعطاها شيئاً كثيراً من التّميّز بمواصلته تعليمه حتى بلوغه آخر مرحلة فيه بحصوله على شهادة الدكتوراه، وهو ما يعني أنّنا أمام قامة صحفيّة كبيرة، وإن كانت هي الحلقة الأضعف في إعلاميّته الثّرية، فيما أنّ وكالة الأنباء شهدت خلال فترة عمله فيها إطلاق إرسالها على مدى أربع وعشرين ساعةً، وهذا إنجازٌ كبيرٌ يحسب له، بعد أن كان إرسالها يتوقّف عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وحتى الساعة الثامنة صباحاً، كما يحسب له ضمن إنجازات أخرى أنّه دفع بالوكالة لتتوسّع في مصادر الأخبار، حيث كانت تبثّ 50 ألف كلمة فقط في الشهر قبل تسلّمه لها، فأصبحت 5 ملايين كلمة في الشهر.
ولأن بدر كريم لم يترك شاردةً أو واردةً -كما يقولون- لها علاقةٌ مباشرةٌ أو غير مباشرة بالإعلام إلاّ وطرق بابها، واقتحم ميدانها، وجرّب أن يعمل بها، فقد أنشأ دار نشر، أسماها مركز (غزوة) للدّراسات والاستشارات تيمّناً باسم ابنته الوحيدة، كما عمل مراقباً للمطبوعة قبل تعيينه مديراً عاماًّ للإذاعة السعودية، ومديراً عاماً لمؤسّسة (مروة) للعلاقات العامة والإعلام والإنتاج الإعلامي. وكلّها نشاطاتٌ وممارساتٌ، لا يمكن فصلها عن القول بأنه كان أيضاً صحفياً ناجحاً كما هو في نشاطاته الإعلاميّة الأخرى.
كان بدر كريم (الصحفيّ) شديد الاهتمام باللغة العربية، وقد صاحب هذا الاهتمام عمله منذ دخوله أوّل مرّة مبنى الإذاعة في جدة مذيعاً فيها، وهو ما تأثّر به عملًه لاحقاً بالصحافة؛ إذ كان يستدرك أيّ خطأ لغويّ في أيّ صحيفة؛ فيتّصلً - كما هي عادته - برئيس تحريرها؛ لينبّهه إلى هذا الخطأ بأسلوبه الودّي المحبّب، فضلاً عن التزامه بذلك في عمله الصحفي شخصياً؛ فلا يتسامح في إجازة مقال أو خبر وفيه خطأٌ، بل إنه إذا ما شكّ في شيء فإنّه لا يتردّد في سؤال من يدلّه على الصّواب. وفي هذا يقول عنه الأستاذ محمد حسين زيدان - رحمه الله -: «كنت لا أستريح منه يوم كان مذيعاً مبتدئاً؛ إذ لا تكاد تمضي ليلة إلا ويسأل عن كلمة، عن معنى، صرفاً أو نحواً».
أذكر أنّ الأستاذ بدر كريم بعد انضمامه لمجلس الشّورى، وكان المجلس آنذاك لا ينقل شيئاً مما يدور في قبته إلى وسائل الإعلام، أن بادر بالاقتراح عليّ بتخصيص صفحة في صحيفة الجزيرة بعنوان (حصاد الشورى)، ينشر فيها تداولات أعضاء المجلس وقراراته، ويكون إعدادها والإشراف عليها من قبله دون ظهور اسمه أو ما يشير إلى إعداده لها، وهو ما تمّ، وكانت الصّفحة تحمل الكثير من المعلومات والمداولات التي ما كان لها أن تظهر إلى الملأ بذاك المستوى لولا الحسّ الصحفيّ لدى الإعلامي بدر كريم، ووجوده عضواً بالمجلس؛ ما مكّنه من أن يكون قريباً وملمًّا بكلّ التفاصيل التي يريد المواطنون أن يتعرفوا عليها، وحسناً ما عمله.
بعد ذلك محور اسهاماته العملية في المجال الإعلامي تحدث فيه الدكتور محمد البشر فقال: كان من الفضل أن أعيش مع الدكتور بدر كريم رحمه الله عشر سنوات التي سبقت وفاته رحمه الله وكان المضاعف أن هذه العشر سنوات هي عصارة الخبرة الإعلامية والمهنية والإنسانية وتحدث عن الصفات الشخصية التي انعكست على جهوده العملية والإعلامية حيث إنه كان هادئ الطبع في النقاشات ويمتص الغضب وأنه كان حليمًا يتحلى بعلوم الحلم والصبر. وهو رحمه الله الشخصية الهادئه والمتواضعة وكان نزيه اليد لم يتكتسب من نتاجاته العملية والإعلامية وكان ينتمي لمدرسة المسؤولية الاجتماعية في الإعلام ويلتزم بالأنظمة الإعلامية وأما صفاته البحثية فقد حريصًا على الوقت متفرغًا للقراءة والكتابة.
بعد ذلك كرّم مدير الجامعة المتحدثين ثم كرّم الفقيد بحضور أبنائه.