منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز، وفي عهد أبنائه الملوك (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - رحمهم الله -)، حتى الآن في عهد الملك سلمان - حفظه الله -، تظل الاستراتيجية السعودية في التعاطي والتعامل مع المشهد الأمني ومستقبل الاستقرار تؤكد أهمية الحفاظ على أمن الشعوب وسيادتها، وشرعية الدول. وعلى طول هذه الفترات كانت السعودية حاضرة ناظرة في تقييم الأحداث واتخاذ القرارات والمواقف بنهج إسلامي ومنهج شرعي لتطبيقها منهج الشريعة الإسلامية في ظل وجود قيادة رشيدة سديدة، توظف منهج القرآن والسنة، وتُوائم بين الحاضر والمستقبل، وتعمل وفق أسس ومنهجية قيادية فريدة، جعلت المملكة تتبوأ موقعها الحقيقي على خارطة العالم في كل المحافل. واجهت السعودية خطر الإرهاب، وكانت - ولا تزال - مستهدفة من أرباب الفكر الضال وأصحاب الأجندات الخارجية الخارجة عن الدين والقانون والمنطق، ووقفت بقوة، ووضعت الخطط الكفيلة لمواجهة الإرهاب، وجندت القوى البشرية والتقنية لمواجهة شبح الإرهاب، وسجلت أرضها ملاحم عريضة من البطولات في دحر الإرهاب ومنع عملياته التي كانت تستهدف مقدرات الوطن. وسجل الأمن السعودي الرقم الأول في الحرب على الإرهاب؛ الأمر الذي انعكس إيجاباً على محيط الدول الأخرى التي كانت تتشرب إيجابيات هذا العمل الجبار. وهذه الحرب الحقيقية جعلت الإرهاب يبتعد بآلاف الكيلومترات؛ لتسلم منه دول مجاورة، وظلت السعودية تصنع القرار السياسي والأمني والاستراتيجي في بث مناهج الاعتدال والوسطية والمنهجية الصارمة في التعامل مع الإرهاب، التي استفادت منها دول أخرى، سواء في الاستفادة من النتائج أو المسارعة للتعاون مع السعودية التي كانت السباقة لذلك، وصاحبة اليد الطولى في صناعة الأمن السياسي لدول المنطقة في أمور عدة، لعل أولها الحرب على الإرهاب، فارتفعت وتيرة التعاون الأمني وعقد الاتفاقيات، وتحولت اجتماعات مجلس التعاون على مستوى الزعماء أو الوزراء إلى نتائج عمل واتفاقيات تعاون، أسهمت في ردع شبح الإرهاب الذي كان يخطط منذ عقود، وكان يستهدف السعودية بالدرجة الأولى، وتجاوزت السعودية النجاح إلى التفوق والتميز بلغة الأرقام، وبواقع نشر الأمن والاستقرار الشعبي والدولي في دول الخليج والدول المجاورة الأخرى التي كانت تعلن المواثيق مع السعودية، وتعبر عن امتنانها وعرفانها لهذا العمل التخيطي المنفرد الذي انعكس عليها بالأمن والأمان. ما لبث أرباب الفكر الضال إلا تغيير الخطط وتنويع الحيل فواجهوا قوة ضاربة. وظفت السعودية منهجاً مميزاً في وقف فتن الطائفية التي لعبت عليها إيران، وظلت منذ عقود تحاول تمريرها في الشعوب، وخلق فتنة تحت مظلة الطائفية المقيتة، ولكن الدولة بحكمتها ومنهجيتها ونهجها أثبتت للعالم أجمع أن السعودية بلد لا يعترف بالطائفية، وأن الجميع سعوديون تحت مظلة الإسلام. ولم تزد الفتن التي حاولت إيران زرعها في السعودية ودول الخليج لتأجيج الخلاف والاختلاف بين السنة والشيعة إلا تماسكاً شعبياً وقوة ولحمة وطنية، سجلتها السعودية في مشاهد الأحداث الإرهابية التي وقعت في المنطقة الشرقية بتخطيط، كان يرمي إلى خلط الإرهاب بالطائفية، ولكن الدولة والشعب السعودي حولوا الفتنة إلى لحمة، استفادت منها الدول الأخرى في منهجية التعامل مع الأحداث وإدارة الأزمات. وكانت عمليتا عاصفة الحزم وإعادة الأمل منهاجاً تاريخياً وسياسياً في توحيد الصف الخليجي والعربي وفي وحدة القوة العربية ضد أي أطماع، وأكدت السعودية أنه لا وجود لفوضى المليشيات أو الأنظمة الطاغية والطائفية الفجة، وأن أمام أي انتهاك لشرعية الجيران أو تهديد الحدود قوة وحماية وردعاً فورياً، فتشكلت في الخليج مرحلة أمن سياسي متميز في مسارين، دفاعية ضد أي تهديدات، وفي إيصال رسالة للعدو أو المخرب أن الاتحاد والوحدة الإقليمية موجودة، وأن هذه المحنة أثبتت صلابة الصف؛ ما أسهم في صناعة حقيقية للأمن في الخليج العربي. وتنبهت السعودية لخطر الإرهاب والتهديدات الخارجية التي تعد بمنزلة تحديات ومخاطر تحيط بمعصم الأمة العربية والإسلامية، فتم تشكيل تحالف إسلامي من 34 دول؛ ليعطي إشارة ودرساً سياسياً أن السعودية كانت وستظل قائدة العالم الإسلامي؛ إذ رجح القرار كفة الأمة؛ لتكون درعاً في وجه البغاة من الإرهابيين أو صانعي الفكر الضال أو من يدس الفتن ويروج للطائفية أو إثارة الفتن بين الدول. كل هذه القرارات الاستراتيجية الحاسمة التي اتخذتها القيادة السعودية الرشيدة اتسمت بمسارات من الوعي وقراءة دقيقة للمشهد السياسي واستقراء للأبعاد المستقبلية المحيطة بالخليج والعالم العربي وبالأمة الإسلامية؛ إذ تضمنت الاستراتيجية الدفاعية والحربية والفكرية والاستعدادية والمستقبلية في آن واحد، وخرجت من العاصمة الرياض هذه القرارات لتعيد صياغة المواقف من جديد،لتبلور خطوطاً عريضة من الأمان للدول القريبة والصديقة؛ ما يؤكد حرص القيادة السعودية ووجودها كنبراس لتهيئة الأوضاع الآمنة، وحملها هموم الشعوب الأخرى من منطلق منهج تاريخي متطور، وانطلاقاً من كفاءة القيادة في التعامل مع التهديدات والمتغيرات، ودراسة ببعد نظر بالغ في الحنكة والدراية، وتوظيفاً للاتفاقيات الدولة، وتشريعاً للسلام، ووضع أسس ودعائم للتعاون بين الدول الإسلامية؛ لتكون يداً واحدة ضد أي تهديد أو اعتداء محتمل أو وارد حدوثه، والتعاون مع كل من كان عوناً في ذلك، وردع أي من كان يسعى لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، أو يسيء للسعودية وشعبها. ثم وجهت السعودية قبل أسابيع للعالم منهجاً في التعامل مع المفسدين في الأرض، وأعلنت تنفيذ حكم القصاص من 47 إرهابياً ضالاً؛ لتعطي درساً شرعياً إيمانياً قويماً للتعامل مع المفسدين في الأرض؛ فغضب أرباب الإرهاب؛ فقامت السعودية بعدها بقطع علاقاتها مع إيران بعد عملياتها الهمجية والتخريبية ضد مقر البعثة السعودية الدبلوماسية في إيران، وتكاتفت معها العديد من الدول؛ لتتلقى طهران خيبات جديدة وخسراناً متجدداً، يدل على عمق الاستراتيجية والسياسة السعودية التي عززت من جانب الأمن السياسي في المنطقة، وأرسلت منهجاً جديداً لكل مخرب، وبثت الأمن السياسي والشعبي في كل دول المنطقة أن السعودية ومنهجها ونهجها كان ولا يزال وسيظل مصدر أمن وأمان لشعبها وللشعوب الصديقة الأخرى. وها هي القيادة السعودية تخرج للعالم أجمع دروساً فريدة منفردة في العمل القيادي والفكر الاستراتيجي ومناهج خالدة من صناعة الأمن السياسي.
د. صالح بكر الطيار - رئيس المركز العربي الأوروبي للدراسات بباريس