عبدالحفيظ الشمري
أمر وارد أن يكون هناك من يعاني أزمات مالية خانقة، ويمر بظروف قاسية؛ تفرضها الحاجة، وضيق ذات اليد، لكن حينما تأتي هذه الضوائق والمعاناة المادية بشكل جماعي فربما تخفف من حجم المأساة، لتصبح أمراً محتملاً في عالم التجارة، لا سيما فيما قد نَسِمُهُ برحلات أو مغامرات البحث عن انتعاش مالي.. فنحن في هذه المطارحة لا نناقش حالة السوق، أو ننظر إلى كساده، أو انهيار بعض القيم المادية به؛ إنما نأخذه من جانب إنساني، وحس اجتماعي لعله يساعد على تجاوز تبعات فشله، والتخفيف من آثار الخسارة فيه.
فطريق الاخضرار في «سوق الأسهم» متعثر، ومؤشره الصاعد هذه الأيام بطيء وعاجز، وسرعان ما يغيب في ظل الاحمرار الهابط؛ حيث تتهاوى الكثير من القيم المالية الكبيرة، ليشرح اللون الواقع بصدق وعفوية حينما يشي بالأحمر، إذ هو الأعنف من بين الألوان، وعلامة توقف ورفض وعقاب.
فمؤشر الأحمر هذه الأيام في السوق يشبه إلى حد ما الألم المعنوي الذي يخلفه الكارت الأحمر في المباراة، إلا أن هذا الكارت في الملعب قد يكون لشخص واحد متمثّل في لاعب معين، فَيُقْبَلُ كنمط معتاد، أما أن يستدير المؤشر (الحكم) نحو الجمهور فيمنحهم «الكارت الأحمر» فإنه لا شك ألم جماعي، يتقاسم فيه الحضور هذا النتائج المرة، وهو غير مقتصر على شخص معين.
وضحايا المؤشر هذه الأيام أقل عدداً - فيما نعتقد - لأن أعداد ضحاياهُ في عام 2006م كانت كبيرة، وحالتهم ظلت مؤذية لأعوام، فالألم المصطبغ بالغرابة أن هناك من بين ضحايا تدهور مؤشر الأسهم هذه الأيام ضحايا قدامى؛ سعوا في محاولات يائسة إلى استعادة ما يمكن استعادته، إلا أنهم لدغوا من ذات الجحر مرة أخرى، فتعرضوا لهذه النكسة في نسختها الثانية.
يمكن أن نشير إلى أن هناك أبطالاً لهذه المعارك المالية؛ وهم من يطرحون الأموال الافتراضية، والمساهمات شبه الوهمية، إضافة إلى المحللين والمنظّرين الذين وضعوا الناس بوهم وتصور، وادّعاء بأن هناك حلولاً سحرية، وارتدادات إيجابية، وما إلى ذلك من وعود مظللة وغير واقعية.
أما المكتتبون في الطروحات الجديدة وعلى مدى عامين ماضيين فإن مأزقهم تمثّل في محاولات يائسة منهم أن يعيدوا شيئاً مما خسروه في هذه المساهمات. فعلى سبيل المثال حينما نتأمل تجربة شخص عادي؛ دخل في العامين الماضيين في عشر مساهمات، فَخُصِّصَ له أسهمٌ قليلة جداً، تتراوح قيمها بين ألفي إلى ثلاثة آلاف ريال؛ أي بما مجموعه نحو ثلاثين ألف، ليُفاجأ أن هذا المجموع قد هبط إلى مبلغ سبعة أو ثمانية آلاف وهذه انتكاسة أخرى!
الأمر المُلح أن يلتفت الجميع إلى الجانب الإنساني في هذا الموضوع؛ كأن نتجاوز أحاديث المنظرين ووعود المحللين، وأن يكون هناك جهات خدمية تنظر إلى صغار المستثمرين باعتبارهم الشريحة الأكبر.. فلا تتخلى عنهم وهي التي كانت في السابق تشير إليهم دوماً بأنهم ثقل مهم في السوق، لكن هذه الجهات - حينما هوى السوق - لم تقم بدورها المأمول في التخفيف من مخاطر وأذى هذه الانهيارات؛ كأن تُنشئ صناديق التعويضات اللازمة، لفك هذه الضوائق المالية، وتجسير هوة الفقد والغرم والخسارة.