كلما لعب المنتخب سمعت عويلاً ونواحاً وتباكياً على ما كنا عليه، على ماضٍ لم يكن ببعيد، على جيل نردد مع كل إخفاق له «هكذا كنا وهكذا بتنا». العدوى انتشرت في أوساط أنديتنا؛ إذ انتشر العويل فيها، وبات من لا يبكي يتباكى، وكأن قائلهم يقول «لكن ناديّ لا بواكي له»، فبات جمهوره ينوح على ناديهم نواح المستأجرة.
الكرة السعودية بها احتراف بالاسم دون أدواته ومفهومه وفكره.. اعتمدنا منه ما يضر رياضتنا، وتغافلنا بل بتنا صماً بكماً عمياً عما يصلحها، فكانت الصفقات وقيمتها أول معاول الهدم، وأول مسامير طرقت في نعش رياضتنا؛ لأن من لا يستحق يقدم له عرض بقيمة من يستحق، بل بات من يستحق إن قبض مقدم ما يستحقه كأنه بلغ منتهى تطلعاته وأمجاده، فبات بعدها يردد «هنا قبضت وهنا انتهيت وإن لم تعطني فسأبحث عمن أقول له هل من مزيد».
تباً لفكرة روجوها لمعنى الاحتراف «انتهى عصر الانتماء، وبدأ عصر المال. من عنده يشيل ومن أفلس الله يخلف عليه ما خسر»، بل بات البعض يردد «يوم عندك حبيتك يوم زادت ديونك حبيت غيرك».
دونيس مدرب الهلال حين سُئل هل هناك لاعب سعودي من يستحق أن يحترف في أوروبا؟ أعجبتني رسالته التي صدح بها لكنه كما قيل «لقد أسمعت يا دونيس لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي». كانت إجابته مفتاحاً لنصف الحقيقة حين قال «بالطبع هناك الكثير ممن يستطيع، لكن ليس هناك من يستطيع أن يتخلى عن قيمة عقده ليرضى بالأقل ليطور من نفسه». النصف الآخر من الحقيقة أعلنها البرقان فعلاً حين حدد السقف الأعلى لعقود اللاعبين المحليين، وأخطأ حين سكت عمن يتجاوزها ودفع من تحت الطاولة. آسف، أقصد من فوق الطاولة؛ ليتجاوز الحد الأعلى؛ ما جعل المضاربات بالأسعار كأنك في مزايين اللاعبين بعد انتقال العدوى لها من مزايين الإبل.
حين غابت العقوبات تجرأ الجميع، بل حين أُشبع الطموح قلّت الدافعية لدى اللاعبين للعطاء. نعم، إنك لا تجني من الشوك العنب، ولن تحصد من الإفساد بالدلال بطولات، بل سنبقى نبكي على الأطلال دوماً وأبداً. «أولئك آبائي فأتني بمثلهم»، متناسين «ليس الفتى من قال كان أبي»، لينسى باقي البيت؛ لأنه عجز عن أن يأتي بمثل ما أتى به من سبقه لنكون أحق بالشفقة على أنفسنا؛ فبأيدينا نحرنا رياضتنا بدلالنا وإفساد لاعبينا بعقود لا يستحقونها، فقط لأجل أن يقال «سأسجل وأسجل وأسجل.. واللاعب اللي أبيه سآتي به».
نقطة ختام: لنبكِ على مجد أضعناه بأيدينا؛ فبأيدينا أنهينا رياضتنا، وأنهينا أفضل لاعبينا.
- محمد الموسى