سعيد محمد العماري ">
جاء إقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد متزامنا مع ما تشهده وزارة الشؤون الاجتماعية من انطلاقة وتحول استراتيجي نحو التنموية وهو بلا شك خطوة موفقة نحو مجتمع مدني سعودي متماسك وخطوة إصلاحية رائدة من أهم وسائل التنمية الوطنية، ونقلة نوعية للعمل الخيري والاجتماعي والتطوعي في المملكة.
ويبين صدور هذا النظام دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لقطاع العمل الخيري، وحرص قادة هذه البلاد المباركة على تشجيع هذا المجال والعمل على تنميته بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن، ويجسد الرؤية السديدة للمقام السامي نحو واقع العمل الاجتماعي، ومستقبل المملكة في مجال الأعمال الخيرية.
ومن المؤكد أن إقرار النظام الجديد سيضع المملكة في المقدمة إقليمياً، في مجال العمل الخيري والأهلي، خاصة وأنه جاء في وقت يشهد فيه الوطن نهضة استثنائية، ما يستدعي تكثيف دور المجتمع المدني للقيام بمسؤولياته وواجباته نحو شرائح المجتمع المختلفة، باعتباره قطاعاً ثالثاً إلى جانب القطاعين الحكومي والخاص.
وبقراءة مبدئية للنظام الجديد نجد أنه جمع بين الجانبين التنموي والاجتماعي، بشموله على تنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته، والإسهام في التنمية الوطنية، وتعزيز مشاركة المواطن في إدارة المجتمع وزيادة منفعته، وبث وتفعيل ثقافة العمل التطوعي بين الأفراد، وتحقيق التكافل الاجتماعي. وفي ظل هذا النظام بات قطاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية أكثر تنظيماً، حيث تضمنت لائحته التي جاءت في (42) مادة، الحقوق والواجبات والمهام، وجهات الإشراف على تلك الجمعيات.
ولبى النظام الجديد العديد من احتياجات القطاع الخيري، وأزال العديد من المعوقات عن طريق العمل الخيري والاجتماعي، بتسهيله الكثير من الإجراءات التي كانت تقف عائقا أمام العمل الخيري، من خلال تقليصه عدد الأشخاص الذين يستطيعون إنشاء جمعية خيرية من عشرين شخصاً إلى عشرة أشخاص فقط، كما سمح للشخصيات الاعتبارية بتأسيس المؤسسات والجمعيات الأهلية، وإصدار التراخيص خلال ستين يوماً من تاريخ استكمال مسوغات الطلب، وأجاز للجمعيات إنشاء فروع لها داخل المملكة بعد موافقة الوزارة.
هذه التسهيلات ستسهم في ارتفاع عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية في المملكة، وستؤدي أيضاً إلى توليد نوع من التنافس الشريف بينها، لخدمة الشرائح المستهدفة، وتنشيط حركة العمل التطوعي.
وأوكل النظام الجديد عشرة مهام لوزارة الشؤون الاجتماعية تهدف إلى تقنين أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية، منها استخراج التراخيص وتجديدها وتعديل النشاط، والتصرف في أموال الجمعيات وتقديم الإعانات الحكومية والإشراف على الأنشطة المقدمة ومراقبة الجمعيات والمؤسسات إدارياً ومالياً وبحث سبل تطوير العمل بها، والبت في اندماج الجمعيات والمؤسسات أياً كان نوعها، وتحقيق التكافل الاجتماعي.
كما وضع النظام أطراً فيما يتعلق بالأموال الخيرية، بإلزامه الجمعيات بتدوين حساباتها في سجلات تبين على وجه التفصيل الإيرادات والمصروفات وفرض عليها التعاقد مع محاسب قانوني لمراجعة حساباتها، كما أوجب عليها إيداع أموالها النقدية باسمها لدى أحد البنوك، داخل المملكة، وألا تنفقها في غير ما خُصصت له، وألا يصرف منها إلا بتوقيع اثنين من المسؤولين بالجمعية، يفوضهما لذلك مجلس الإدارة، على أن تحدد اللائحة الأساسية هذين المسؤولين.
هذا بجانب إنشاء صندوق الجمعيات الخيرية، الذي يرتبط بمعالي وزير الشؤون الاجتماعية وتكون مهمته دعم برامج الجمعيات، وتطويرها بما يضمن استمرار أعمالها، كما أجاز النظام استقبال التبرعات بعد موافقة الوزارة، والتعاقد مع الجهات الحكومية والخاصة لتنفيذ الخدمات أو البرامج كما ووفر النظام الجديد الدعم للجمعيات والمؤسسات الأهلية حيث تضمن تحديد خمسة موارد لصندوق دعم الجمعيات شملت ما يخصص له من اعتمادات في ميزانية الدولة، وما يتلقاه من التبرعات والهبات والأوقاف، والأموال التي قد تؤول إليه بعد حل الجمعيات، والعائد من استثماره لموارده، بجانب ما تخصصه له الدولة من عوائد.
وحدد ثمانية موارد للجمعيات الأهلية هي: رسوم العضوية (إن وجدت)، وعوائد نشاطات الجمعية، والصدقات والهبات والأوقاف والتبرعات، والعوائد الاستثمارية من أموال الجمعية، وما يقرر لها من إعانات حكومية، وما قد يخصصه الصندوق من دعم لبرامجها وتطويرها، إضافة إلى الموارد المالية التي تحققها الجمعية، والزكاة للجمعيات التي يشتمل نشاطها على مصارف للزكاة.
ويحقق النظام الجديد المزيد من المرونة في عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية ويعمق أثرها التنموي، نحو تمكين الفرد، وتشجيعها على تحقيق أهدافها بما يتناسب مع متطلبات الواقع والمستجدات المستقبلية.
وخلاصة القول إن النظام الجديد صدر بطريقة تؤدي إلى تبسيط إنشاء هذه الجمعيات، وتسهيل إجراءات ممارستها لمهامها، مع وجود الرقابة الفعالة على أنشطتها ووسائل جمع أموالها وأوجه إنفاقها، وهو نظام كان مطلوباً ليطلق يد العمل التطوعي الحر المسؤول.