بطبيعة الحال هنالك من يرى أن العالم يستحق كل التضحيات, لتستمتع بنشوة الوصول إلى القمة، وهنالك فئة روحانية ترى أنه بائس ولا يستحق أي مجهود, فالقمة لا تختلف كثيراً عن الأسفل، فكل ما في الوجود زائل، لكن الصعود والتقدم غريزة بشرية وعدم الاستسلام أيضا، تقول الأسطورة اليابانية القديمة إن هنالك ثلاثة أشقاء قذفتهم الأمواج إلى جزيرة بعيدة في منتصف المحيط، الجزيرة غير مأهولة وجميلة جداً تنمو عليها الأشجار ويتوسطها جبل مرتفع وضخم، في الليلة التي وصلوا فيها إلى هناك، خرج لهم مارد الجزيرة وقال لهم: سوف تجدون بعد مسافة قليلة من هذا الشاطئ ثلاثة صخور مستديرة وكبيرة، أريد من كل منكم أن يدفع صخرته لأبعد مسافة يستطيعها، حيثما تتوقفون عن دفع الصخرة سيكون هو مكانكم الذي تعيشون فيه. كلما ارتفعت لأعلى، سوف يمكنك من خلال بيتك رؤية المزيد من العالم.
الأمر كله يعود إليكم فيما يخص المدى الذي تريدون أن تدفعوا صخرتكم إليه.
ولأن هذه الصخور ضخمة وثقيلة، كانت دحرجتها أمراً صعباً وكان دفعها إلى أعلى المنحدر يستلزم جهداً هائلاً، توقف الشقيق الأصغر أولا، وقال: إخواني، هذا المكان يكفيني، إنه قريب من الشاطئ ويمكنني أن أصطاد سمكاً منه، وفيه كل ما احتاج لمواصلة العيش هنا، ولا يهمني إن كنت لا أستطيع رؤية الكثير من العالم من هنا، واصل شقيقاه الآخران الصعود، لكنهما وبينما كانا في وسط المسافة نحو أعلى الجبل، إذا بالشقيق الثاني يتوقف ويقول: أخي، هذا المكان يكفيني، يوجد كثير من الفاكهة هنا وفيه كل ما أحتاج إليه لمواصلة العيش، لا يهمني إن كنت لا أستطيع رؤية الكثير من العالم من هنا، أما الشقيق الأكبر فقد تابع صعود الجبل، أصبح ممرّ الصعود يزداد ضيقاً وحدّة في انحداره، ولكنه لم يتوقف، كانت لديه قدرة هائلة على المثابرة، وكان يريد أن يرى أكبر قدر ممكن من العالم، لذلك ظل يدفع الصخرة لأعلى بكل ما أوتي من قوة، ظل على ذلك شهوراً، بالكاد كان يأكل أو يشرب، حتى دفع الصخرة إلى قمة أعلى الجبل، وهناك توقف ونظر إلى العالم، الآن يمكنه أن يرى من العالم أكثر من أي شخص آخر، هذا هو المكان الذي سيعيش فيه - حيث لم تكن الحشائش تنمو، ولم تكن الطيور تطير، وللحصول على الماء كان عليه أن يلعق الثلوج، وللأكل لم يوجد إلا الطحالب، ولكن الندم لم يتسرب إليه، لأنه أصبح الآن يطلّ على العالم كلّه، وأصبحت صخرته رمزاً ومزاراً طوال سنين لعزيمته وإصراره..
إذن إذا أردت أن تعرف شيئاً فعليك أن تكون مستعداً تماماً لتدفع ثمنه من قوتك وإرادتك الداخلية، فالرغبة وحدها لا تكفي لتحقيق الحلم، فلو تمعنا جميعاً في القصة لأدركنا أن الشقيقين الأصغر اختارا حياة أسهل وأوفر حظاً فلا أحد يرغب أن يكمل حياته يأكل الطحالب، لكن إرضاء النفس وتحقيق الحلم تجعلنا أحيانا لا نرى إلا أنفسنا وعظمتنا، تحتاج أرواحنا للمحافظة على الإرادة, فهي تعمل مثل العضلات، لا بد من تدريبها وتطويرها والمحافظة عليها، فعندما تعمل نحو الهدف، فلا بد من أن تواجه الأوقات الصعبة.
لذلك تحتاج إلى أن تستمر بالعمل دوماً في تلك الظروف الصعبة والضاغطة، وتجنب الوقوع في فخ القلق والخوف والملل الذي يهدد باستنزاف قوة الإرادة لديك.
ما قيمة الهدف الذي لا تحركه رغبة قوية مشتعلة، إن الرغبة القوية هي الأكسجين الذي تتنفسه الأهداف كي تحيا على أرض الواقع. فأنا لا أعترف بالأهداف غير المكتوبة, هدف غير مكتوب يعني أمنية لشيء جميل, أما الأهداف المكتوبة فهي الحقيقة.
يقول براين تريسي في كتابه فلسفة تحقيق الأهداف (بالقلم والورقة يبدأ كل شيء) عندما تحتضن القلم بأناملك تكون قد استدعيت عاملين قويين من القوة الإنسانية, أحدهما البدني حيث تمسك بالقلم وتحرك يدك, والآخر العقلي حيث تفكيرك مشغول بهذا الهدف ويكتبه ويقرأه, كما أن الصوت القادم من عقلك الباطن يكون دائم التكرار للهدف المكتوب.
وأيضا يقول زج زجلر: يفشل الناس كثرا, ليس بسبب نقص القدرات وإنما بسبب نقص في الالتزام, ويقول توماس أديسون (كثير من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما أقدموا على الاستسلام).
لم يكن أديسون ليخرج لنا المصباح الكهربائي بدون التزام وتصميم حال حالات الإخفاق الكثيرة التي مر بها, وما كان ديزني ليصنع تحفته مدينة الأحلام, وما كان كلونيل ساندرز مؤسس سلسلة مطاعم كنتاكي قد أتحفنا بخلطته السرية, فهؤلاء أخفقوا مئات بل آلاف المرات, لكن التزامهم بتحقيق الحلم الذي أتووه هو الذي مر بهم إلى شاطئ التميز، حيث يقف الناجحون في هذه الحياة.
- أحلام الفهمي