د. م.م.عمر التهامي
لقد سرني التحالف الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية، وهو تحالف طال انتظاره، وكان من حسن حظ الدول الإسلامية أن تكون الدولة الداعية لهذا التحالف هي السعودية وهي دولة متطلعة أبداً إلى ذراري المجد، ملتزمة بعقيدة التوحيد، مهتدية بهدى سيد المرسلين، محمد بن عبدالله النبي العربي، صاحب مبادئ العدل (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (النحل: 90) والمساواة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13) وحقوق رب العباد (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار) (يوسف: 39) ومن ثم حقوق الإنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70.)
وأنا إذ أشكر المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة في إتخاذ هذا القرار التاريخي أحب أن أشارك بهذا المقال لأوضح أهمية هذا التحالف في إعادة العزة والشموخ لهذه الأمة من خلال تساؤلات أجيب عليها حتى يفهم القارئ الكريم أهمية هذا التحالف.
(1) ما هي الأسباب الحقيقية لهذا التحالف؟..
يبدو أن السعودية وحلفاءها قد اختاروا هذا التحالف للأسباب التالية:
(أ) أن الهجمة على الإسلام عقيدة وشريعة قد ازدادت شراسةً من قبل أعداء الله ومن قبل أقوام لم يرفع الله بهم للإسلام راية ولم يفتح الله بهم للإسلام قرية.
(ب) وجود حوجة ملحة لقوة ذات شوكة.
(ج) الإرهاب أصبح عابراً للحدود ويتخذ أشكالاً إقليمية ودولية مما يتطلب قوة إقليمية ودولية للتصدي له.
(2) ما هي الأهداف الحالية والمتوقعة لهذا التحالف؟.
(أ) حشد كل الإمكانات البشرية والمادية لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين خانوا الله والرسول وخانوا أماناتهم وهم يعلمون السفلى.
(ب) السعي للحفاظ على الدين والعرض والأرض والمال.
(3) ما هي المبادئ الأساسية التي يهتدي بها هذا التحالف؟.. تدل القراءة الأولية أن هذا التحالف يستهدي بالمبادئ الست التالية:
(أ) تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى وجل شأنه وتقدست أسماؤه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56).
(ب) حقن دماء المسلمين لأن حرمة دم المسلم أكبر عند الله من حرمة الكعبة.
(ج) عدم جواز الخروج على حكام المسلمين وأمرائهم بالسلاح، وإنما الجائز تقديم النصح لهم بالتي هي أحسن وباللين.
(د) من الأفضل لأوطان المسلمين المبيت مائة عام في ظل حكام الجور والظلم من مبيت ليلة واحدة بلا حاكم ولا رئاسة ولا أمارة.
(هـ) الاسلام شرف في الوسيلة والهدف ويؤمن بالتغيير تبعاً لسنن الله الكونية وغايته رضى الله أولاً وأخيراً.
(و) ألامر بالقتال والجهاد في يد الحاكم (أو الملك أو الأمير أو الرئيس) وليس لعامة الناس حق في إعلان الحرب أو الجهاد.
(4) هذا التحالف يدعو للسلام بالأصالة وليس بالتبعية أو التقليد لأحد:
وذلك كله ثابت بجملة من الأدلة الشرعية ومنها الأدلة التالية:
أولاً: اسم الإسلام مشتق أصلاً من الاستسلام لله بالقلب والجوارح مما يؤلف بين القلوب الخاضعة لله وحده الذي ينهي عن الاعتداء (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ? إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
ثانياً: السلام من أسماء الله الحسنى (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (الحشر: 23) التي أمرنا الله أن ندعوه بها (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى * فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف: 180).
ثالثاً: التحية بين أهل الإسلام في الدنيا هي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (سنن أبي داؤود والترمذي) وفي الآخرة أيضاً في الجنة (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) (يونس: 10).
رابعاً: أمر المسلمين شورى بينهم ولا يجوز لأحد الانفراد بالآراء وفرضها بالقوة (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، مما يمنع انهيار السلم المجتمعي بتصاعد حدة الخلافات إلى درجة الاقتتال.
خامساً: لا يجوز قتل المرأة والطفل والشيخ المسن (ما كانت هذه لتقاتل) (سنن أبي داؤود) فقتل العدو سببه مقاتلة أهل الإسلام وليس الكفر.
سادساً: الإسلام يملك الحجة البالغة فإذا أرتضى الناس المجادلة بالحسنى ظهرت حجج الإسلام وبراهينه على غيره.
سابعاً: الإسلام جعل الهرج من علامات الساعة وهو القتل بحيث (لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل) (رواه مسلم)، والهرج هو الفوضى، فهل من سلام مع الفوضى.
ثامناً: فرض الله الأشهر الحرم شهوراً يحرم فيها القتال (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) (التوبة: 36).
تاسعاً: قرر الإسلام إن التمايز بين الناس مداره التقوى وليس العرق مما يغلق أبواب الصراعات العنصرية المهددة للسلم بين القبائل والأمم والشعوب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى * وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
عاشراً: ليس في الإسلام غاية تبرر الوسيلة (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً) (رواه مسلم).
حادي عشر: شرع الله أشد العقوبات في الدنيا للذين يهددون السلم الاجتماعي (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ * ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا * وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33).
ثاني عشر: الاهتمام ببناء الأسرة علي روح المودة والرحمة والألفة والتعاون والتكافل والتحذير المغلظ من قطع صلة الرحم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (32) (محمد).
ثالث عشر: أمر الإسلام بالإحسان للجار أياً كان دينه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره) (صحيح البخاري) و(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) (صحيح البخاري).
رابع عشر: تثبيت لفظ السلام وتكراره في جلوس التشهد في الصلاة (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (رواه البخاري ومسلم).
خامس عشر: تعميق روح السلام وأحكامه في قلوب العباد بكثرة ذكر اللفظ وتكراره في العديد من آيات القرآن الكريم ومنها: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 5) (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) (النساء: 94) (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم: 33).
(5) المواقف المتوقعة للتحالف العسكري الإسلامي:
(أ) كل دولة من دول التحالف ستلزم بالتصدي لكافة أنواع الإرهاب والعنف على أراضيها.
(ب) كل دولة دول التحالف ستسعى للاستفادة من الحق المكفول لها للإستعانة بأي دولة (أو دول) أخرى من التحالف لمحاربة الإرهاب على أراضيها حسب حاجتها.
(ج) الموافقة على قيام قيادة موحدة للتحالف مناط بها تنسيق الجهود العسكرية للتصدي للعنف والإرهاب وتجفيف منابعة في الدول الإسلامية مما يتوافق مع سير الأحداث في اليمن وسوريا والعراق.
وفي الختام أسأل الله أن يوفق المملكة العربية السعودية والدول الإسلامية المنضوية تحت لواء هذا التحالف في تصديها للإرهاب، وأن يخذل أعداءهم.. وما التوفيق إلا من عند الله.