قرى عسير التراثية.. وجهة المهتمين بدراسات التراث العمراني ">
على قمم جبال السروات في منطقة عسير، برزت العديد من القرى التراثية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ بما اشتملت عليه من موروثات فنية وثقافية وشعبية حملت مضامينها دلالات حضارة إنسان هذه المنطقة على مر العصور، لتصبح اليوم من العلامات البارزة في منظومة الخارطة السياحية للمملكة، حيث استقطبت الزوار والمهتمين بدراسات التراث العمراني والآثار من داخل المملكة وخارجها.
فقد أوضح أستاذ علم التاريخ في جامعة الملك خالد الدكتور غيثان الجريس، أن منطقة عسير تضم مئات القرى التي تميزت بتاريخها العمراني الممتد إلى عصور قديمة عاشها إبن المنطقة وسط طبيعة جبالها وسهولها ووديانها، وشكلت على مر التاريخ ثروة أثرية توارثتها الأجيال حتى وقتنا الحاضر، بارزة بحجارتها ونقوشها ورسوماتها الصخرية التي يعود بعضها إلى ما قبل الإسلام.
وأضاف: وجد الباحثون أن ابن منطقة عسير كان بارا بتراثه مراعيا لبيئته الطبيعية المتميزة بتنوعها الجغرافي، وتاريخ وأشكال البناء في منطقة عسير، دل على اهتمام الإنسان بدقة التصميم والعمارة ومراعاة البيئة الطبيعية الوعرة للمكان، فبرزت تصاميم متنوعة في المباني تمثلت في اختيار الواجهات والأبواب والنوافذ والمداخل الرئيسة لكل مبنى، مما أكسبها طابعاً عمرانياً فريداً من نوعه.
وأفاد في ذلك الصدد أن العديد من المدن والقرى التراثية في مختلف دول العالم تحولت إلى معالم حضارية بعد أن تم الاهتمام بها وأجري لها ترميمات مناسبة لا تغير من شخصيتها الحقيقية، مع وضع التعريفات والمدلولات اللازمة لها على الطرق المؤدية إليها، والتعريف بها عن طريق وسائل الإعلام.
وأشار إلى أن مئات القرى في منطقة عسير، ينتظرها المستقبل الواعد من خلال الدراسات البحثية التي تجريها العديد من الجهات المعنية بتطوير الساحة في المملكة لتحويلها إلى معالم حضارية متميزة تمنحها شموخا عريقا، وتزيد المكان رونقا وجمالا يضاف إلى جمال موروث المنطقة الحضاري وتاريخها القديم.
بدوره، أكد أستاذ السياحة والآثار المساعد بجامعة الملك خالد الدكتور علي عبد الله مرزوق، أن قرى عسير تمتاز بمكوناتها الجغرافية والمناخية، حيث المدرجات الزراعية، والهضاب، والتضاريس المتنوعة، علاوة على تنوع طراز مبانيها التقليدية، وما يرتبط بها من سمات فنية متميزة.
وأكد أن هذه القرى بحاجة ماسة إلى إجراء العديد من المسوحات والدراسات المتخصصة، ومن ثم تحديد ما تحتاجه من أعمال ترميم، وإعادة تأهيل، واستثمار اقتصادي، مع ضرورة المحافظة على مقوماتها البيئة والعمرانية لتتحول إلى مواقع جذب سياحي يفد إليها السياح من كل مكان، مما يعود بالنفع والفائدة على سكان هذه القرى وتسويق منتجاتهم الحرفية والزراعية والمأكولات الشعبية، مساهماً في إيجاد فرص وظيفية لأبنائها والحد من البطالة بين صفوف شبابها.
وللحفاظ على هذه الثروة التاريخية، طالب الدكتور علي مرزوق بتفعيل دور الكراسي البحثية في الجامعات المعنية بالتراث بشكل عام وبالقرى التراثية بشكل خاص، وتشجيع الباحثين والمهتمين على إجراء البحوث والدراسات التي تهتم بالقرى التراثية عن طريق دعمهم مادياً ومعنوياً، من خلال حصر وتحديد القرى التراثية بالمنطقة، وعمل الإحداثيات والخرائط للتعريف بها وتثقيف الأهالي بالكيفيات المثلى للمحافظة على هذه القرى وعلى نسيجها وطابعها العمراني المتميز.
كما طالب بدعم بحوث صيانة وترميم المباني التقليدية ذات القيمة التراثية والتاريخية داخل القرى التراثية لإحياء ما اندثر منها، والإبقاء على المباني التقليدية المتجمعة لتبقى معلماً تراثياً مفتوحاً يأتيها السائحون والمهتمون بالتراث، ناهيك عن عقد الدورات والورش العلمية لأصحاب القرى التراثية بهدف إيضاح أهميتها السياحية والاقتصادية، وحث رجال الأعمال والمستثمرين على دعم هذه القرى والاستفادة منها اقتصادياً والإفادة ممن سبقونا في هذا المجال.
أما الأديب على مغاوي فقد قال: إن قرى عسير مميزة بإطلالتها وطابعها الحضاري والتراثي، لافتاً إلى أن عدد من هذه القرى يمكن استثمارها سياحيا والترويج لمواقعها المطلة من على جبال السروات، وتفعيل مشاركة الحرفيين والحرفيات في هذه القرى، مع العمل على تنمية البنية التحتية والمواصلات وإيصال الخدمات لهذه القرى، وعمل مسح شامل لكافة القرى التراثية التي تحمل الموروث الشعبي وتحويلها لمتاحف وترميمها والاستفادة من التجارب العالمية والعربية في هذا المجال.
واستشهد مغاوي في هذا السياق، بقرية رجال ألمع، مبينا أن هناك مستقبلا واعدا ينتظر القرية بعد أن اهتمت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بها، وأسهمت البلدية في توسعة مداخلها، مؤكداً بأن تجربة رجال ألمع رائدة في مجال دعم الموروث الشعبي من خلال مساهمة أبناء المحافظة من مهندسين ومبدعين وموهوبين بخبراتهم المتعددة في صناعة الاستثمار السياحي في القرية.
ومن جانبه، أوضح مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بعسير محمد العمرة، أن الفرع يقوم بعمل مسح ميداني للتعرف على المواقع والقرى ذات الإطلالة الميزة والمواقع التي تزخر بقيمتها التراثية والحضارية في منطقة عسير، للتعريف بها وللتفاعل مع الجهات المختصة لوضع استراتيجيات لتطويرها وترميمها والمحافظة عليها وحمايتها من العبث.
وقال العمرة: إن فرع الهيئة العامة للسياحة بمنطقة عسير ينفذ توجيهات الهيئة في دعم القرى الأثرية للحفاظ على ثقافة, وموروث المكان والعمل على تعزيز المسح الميداني للتعرف على هذه المواقع ووضع تصور مستقبلي لآلية الاستفادة منها في تطوير سياحة القرى وتسخير كافة المقومات المؤدية إلى توفير هذه السياحة والاستفادة من التجارب العالمية والمحلية في هذا المجال.
وأبان أنه يجري الآن عمل خطة حصر لجميع القرى التراثية بالتعاون مع أمانة منطقة عسير، كما أن الهيئة تهتم بأي مبادرة من الأهالي تطلب الاهتمام بالتراث الموجود في القرى التراثية.