د. إبراهيم بن ناصر الحمود ">
نعم عرب ولكن زهدوا في لغتهم العربية ورضوا عنها بديلا، شيء مؤسف جدا أنك ترى العربي يتحدث مع أسرته في الشؤون الأسرية باللغة الأجنبية لا للتعليم وإنما هواية مفضلة على حساب اللغة الأم لغة القرآن التي تندب حظها وتقول بلسان حالها: أضاعوني وأي فتى أضاعوا.
لا يعني ذلك التقليل من شأن اللغات الأخرى خاصة اللغة الانجليزية، فأنا أول من يشجع على تعلمها، ولكن بقدر لا ينسينا لغة الأصل، فكلما زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده.
وإن الذي دعاني إلى الكتابة عن هذا الموضوع مشهد سمعته في احد المؤسسات الحكومية من مواطنين يتحدثون باللغة الانجليزية في أمور عادية جدا لا يتطلبها الوضع، وكنت أعرف أحدهم فسألته عن ذلك فذكر لي أنهم كانوا يتناقشون عن مستلزمات الطلعة الخلاوية التي يريدون القيام بها، قلت له هل الأمر يستدعي التحدث بغير العربية قال: لا، قلت: إذاً لا تقدم الفرع على الأصل إلا عند الحاجة، وكثيراً ما نرى مثل هذا المشهد في الأسواق والمنتزهات وغيرها حتى أنك تظن أحيانا أن الذي يتحدث غير عربي.
ومما يؤسف له أيضا أنك تسمع بعض المذيعين والمذيعات بل وبعض الشخصيات المرموقة ذات الرتب العالية تراهم يلحنون في اللغة وهو أبناء العربية، كيف وصل هؤلاء إلى هذا المنصب وهو لا يجيدون العربية، أهو تأثير الإبتعاث الخارجي أم هو ضعف المستوى العلمي في تعلم قواعد اللغة العربية، سواء كان هذا أو ذاك فالكل غير محمود وغير مرغوب فيه في بلد يعتز بلغته.
وفي المقابل لا تجد غير العربي يتحدث بغير لغته ألا عند الضرورة القصوى التي تعلم العربية من اجلها. وللغة العربية أهمية كبرى في حياة كل عربي، ومن ذلك:
تستخدم كلغة دراسيّة في مختلف التخصّصات والعلوم والمعرفة، للعديد من التخصّصات الأدبيّة، فهي تدرس في البلاد الإسلاميّة، وعدداً من البلاد الإفريقيّة.
التحدث باللّغة العربيّة الفصحى يؤثر على العقل، والخلق، والدين، فهو ينمي العقل وتؤدي إلى استيعاب الأمور، وبالتالي فهو يعمل على رفعة الخلق، والتمسك بالدين بسبب فهم الشريعة عن طريق اللّغة العربيّة.
تمتاز اللّغة العربيّة بخاصيّة الإيجاز في الحديث، أي تستطيع من خلال اللّغة العربيّة إيصال المعلومة التي تريد، أو المعرفة، بشكل بسيط، دون الحاجة إلى الغوص في أمور معقدة.
تعتبر اللّغة العربيّة مرجعاً مهمّاً لعديد من لغات العالم، فبعض اللغات استمدت الكلمات والأحرف والأرقام، فوجدت العديد من الكلمات العربيّة في اللغات التركية، والفارسية، والكردية، والماليزيّة، والإندونيسيّة، والألبانية، والأورديّة، والمالطيّة، والإسبانيّة، والصقليّة.
اللّغة العربيّة مهمة في معرفة العلوم الأخرى كالترجمة كترجمة المؤلّفات التي يحتاجه الإنسان في أمورٍ حياتيّة فترجمت الكتب من العربيّة إلى لغات أخرى وبالعكس، والتي تؤدّي إلى تبادل الثقافات المختلفة بين بعضهم البعض.
ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم و لتنزل بها الرسالة الخاتمة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
عمق الصلة بين العربية و الإسلام، كما نجد تلك العلاقة على لسان العديد من العلماء.
والعربية تتيح لمتعلمها الإطلاع على كم حضاري و فكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون، وخلّفت إرثاً حضارياً ضخما في مختلف الفنون و شتى العلوم.
وتنبع أهمية العربية في أنها من أقوى الروابط و الصلات بين المسلمين، ذلك أن اللغة من أهم مقوّمات الوحدة بين المجتمعات. كما أننا نشهد رغبة في تعلم اللغة من غير المسلمين للتواصل مع أهل اللغة من جانب و للتواصل مع التراث العربي و الإسلامي من جانب آخر.
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة.
إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها.
إن الأمة العربية أمة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أي أمة من الأمم.
إن اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبواساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة.
فيا أبناء العربية حافظوا على لغتكم واجعلوها الأصل في خطابكم إلا عند الحاجة التي تدعو إلى استعمال غيرها.
- المعهد العالي للقضاء