الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن نموذجاً
د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
لكل حضارة تاريخها الذي تفخر به أجيالها وتقيم عليه مبادئها وتبني من خلاله مستقبلها.
وقمة الكرامة والعزة لكل أمة من الأمم دينها الذي به يستقيم سلوكها ويتربى عليه أجيالها وتأتلف به قلوبها وتجتمع به كلمتها وتنشئ لأجله حضارتها وتحافظ به على مدخراتها.
فإذا كان ذلك متعلقاً بعقيدة التوحيد التي جاءت في هدي الوحيين، وعليها تقوم دعائم السعادة في الدارين كان الشأن أعلى وأجلّ.
ذلك أنه بهذه العقيدة الصافية يستقيم السلوك وتطمئن القلوب وتفصح الألسن وتعمر الأرض، كيف لا وبها تتحقق الغاية العظيمة من خلق الثقلين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.
ولقد عزت أمة الإسلام في سالف عهدها بالإسلام العظيم حتى قال الفاروق عمر رضي لله عنه: نحن أمة أعزنا لله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
وعلى مر التاريخ كلما ازدادت الشعوب المسلمة تمسكاً بعقيدتها قولاً وعملاً واعتقاداً ظهر ذلك جلياً في رقيها ومجدها وعزها.
وليس جديداً أن تنبري الأقلام في رصد تاريخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود واستعراض مكامن القوة والاعتزاز فيه وهي لا شك كثيرة.
ولكن أهمها وأكثرها تأثيراً: تمسكه بعقيدة واضحة راسخة منطلقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح.
لقد طبق هذا النهج القويم في مسيرة حافلة بالتألق، مخضبة بالانتصار، امتد نفعها إلى أمد بعيد وبلغ صيتها الآفاق!
حيث كانت عقيدة التوحيد الراسخ تصاحبه في سلوكه وترافقه في أقواله وتقوم عليها مبادؤه رحمه الله.
فلا يكاد يخلو محفل أو اجتماع أو خطاب إلا وأشار إلى ذلك بكل وضوح وأكد أهميته في تحقيق الأهداف. وأعلن عنه وحث عليه في مناسبات متعددة فقد قال رحمه الله في الخطاب الذي ألقاه عام 1347هـ في غرة ذي الحجة في مكة المكرمة:
يسموننا بالوهابيين ويسمون مذهبنا «الوهابي» باعتبار أنه مذهب خاص وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأتِ محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح.
ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة منزهة عن كل بدعة.
فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب أما التجديد الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصل إلى غاية ولا يدنينا من السعادة الأخروية.
إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التو حيد الخالصة»
ثم يقرر رحمه الله طريق النصر الحقيقي الذي تفضل الله به عليه ومنطلق القوة الصحيحة التي تحتاج إليها النفوس في كافة المواقف.
ومرتكز البناء الشامخ الذي به تكون الأهداف سامية ونبيلة بعيداً عن المصالح الشخصية والرغبات الذاتية المحضة!
فيقول في الخطاب الذي ألقاه عام 1348 هـ في مكة المكرمة:
«... نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب والإيمان الذي في الصدور، ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب؛ بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا، ولم نتخذ التوحيد آلة لقضاء مآرب شخصية أو لجر مغنم، وإنما تمسكنا به عن عقيدة راسخة وإيمان قوي. ولنجعل كلمة الله هي العليا».
ويرسم بحنكته وخبرته ورجاحة عقله وصدق إيمانه قاعدة السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، والمنهاج الواضح البين الذي يحقق لصاحبه المنفعة الدائمة في الدارين فيقول في الخطاب الذي ألقاه رحمه الله في موسم الحج عام 1365هـ:
«... فيجب أن نتعلم من العلوم ما ينفعنا وفي مقدمتها معرفة كلمة التوحيد وهي كلمة الإخلاص وكلمة السعادة، ويجب أن نعرفها ونفهمها ونعمل بها لأنها كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة.
ففيها إفراد الله بالربوبية وتوحيده بالعبودية (لا إله) تنفي العبادة عن غير الله (إلا الله) تثبت العبادة له سبحانه».
للجميع أن يدرك بعد ذلك كيف انتصر الملك عبدالعزيز رحمه الله نصراً حسياً ومعنوياً على مواقف الحياة التي واجهها وكيف تمكن بقوة عقيدته وإيمانه الراسخ أن يحطم صخور المصاعب التي تعرض لها في سبيل توحيد هذا الكيان الكبير.
وللجميع أن يستحضر كيف حافظ أبناؤه على هذا الأمر وصدقته أفعالهم وصدحت به ألسنتهم في سائر المحافل الدولية مما جعل للمملكة العربية السعودية ثقلها الواضح الذي لا يختلف عليه اثنان في الخارطة العالمية.
رحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ووالديه ومن سلف من ذريته وجزاه عن ما قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء وبارك فيمن خلف وجعلهم عزاً للإسلام والمسلمين.