دول الخليج تستهدف «رجال الأريكة» لخفض إنفاقها العام ">
الجزيرة - الرياض:
تضع دول الخليج العربي، في إطار مساعيها الرامية إلى تخفيف بعض الأعباء التي تثقل كاهل موازناتها العامة في ظل تراجع العائدات النفطية، نصب أعينها من جديد على مَن يُطلق عليهم تسمية «رجال الأريكة»، لطالما كانت الدوائر والمؤسسات الحكومية في المنطقة مصدراً للوظائف المريحة ذات الرواتب الأكثر من مريحة. وفي أغلب الأحيان، تجاوز عدد موظفي القطاع العام حجم العمل المطلوب، ما أسفر عن رواتب مضخمة ومكاتب مليئة (بوجه رئيسي) بالرجال الذين يمضون أيامهم ممدّدين ومسترخين على الأرائك.
وأفاد في هذا السياق مستشار يعمل مع وزارات في الخليج بأنه يرى عشرات الشبان الخليجيين يأخذون استراحات طوال اليوم في غرف الانتظار، ولا يضطلعون بأي مهام محدّدة وواضحة سوى حمل وثائق من مكتب إلى آخر.
وفي مثال آخر، ذكر موظف سابق لدى هيئة حكومية في الإمارات مسؤولة عن إصدار السندات، أن الموظفين كانوا يمضون أيامهم بمشاهدة التلفاز أو النوم، وأن المكتب لم ينجز أي اتفاق منذ سنوات، لكن المشكلة لم تمرّ مرور الكرام، فقد أوضحت مديرة «صندوق النقد الدولي» كريستين لاغارد أنه نظراً إلى الضغوط على المالية العامة، يجدر بالدول الخليجية اتخاذ المزيد من الخطوات لتوجيه تركيزها نحو تحقيق النمو في القطاع الخاص.
وصرّحت في العاصمة القطرية الدوحة، بعد لقائها مسؤولين في مصارف مركزية ووزراء مالية من المنطقة، بأنه «لا بدّ من بذل جهود متواصلة لتشجيع المواطنين على البحث عن وظائف في القطاع الخاص، ولحثّ الشركات على توظيفهم».
من جهته، أطلع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، مجلس الأمة على أن إيرادات الدولة تقلّصت بنسبة 60 في المائة بسبب تراجع أسعار النفط الخام.
وفي تصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء الكويتية «كونا»، دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيض الإنفاق العام ومعالجة «الاختلالات التي تشوب اقتصادنا الوطني»، غير أنه لم يخض في أي تفاصيل إضافية.
يُذكر أنه في أواخر أيلول- سبتمبر، أعلنت البحرين أنها ستدمج بعض الوزارات والأجهزة الحكومية في محاولة لتوفير النفقات وتحسين كفاءة الأداء.
وقال رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة إنه تمّ اتخاذ هذا القرار في إطار الاستعداد
«للتعاطي مع التحديات الاقتصادية»، لافتاً إلى أن العمل سيستمر لدمج المزيد من الهيئات والمؤسسات الحكومية.
تجدر الإشارة إلى أن العمّال الأجانب، وبخاصة الآسيويون منهم، هم الذين يشغلون معظم الوظائف التي تتطلب أعمالاً يدوية في الخليج. وقد تمّ اعتماد ما يُعرف ببرامج توطين العمالة، وجرى تحديد حصص معيّنة لاستبدال الموظفين الأجانب بمواطنين، لكن ثبُت أن توظيف السكان المحليين مهمة عسيرة، ويُعزى أحد أسبابها إلى أن العديد منهم يرفضون شغل وظائف تستلزم عملاً يدوياً، أو يتوقّعون تقاضي رواتب تتماشى مع أجور الوظائف الحكومية.
من ناحيتها، وضعت الكويت برنامجاً يرمي إلى تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في 2013، لكن لم يبدأ العمل به سوى خلال العام الجاري، كما أنها بصدد اعتماد مبادرة لضمان تمكُّن موظفي القطاع العام، الذين يتركون وظائفهم ليؤسسوا عملاً خاصاً بهم أو ليعملوا لدى شركة في القطاع الخاص، من العودة إلى وظائفهم السابقة في غضون ثلاث سنوات إذا أرادوا ذلك.
ومن شأن هذه الخطوة أن تكمّل برنامجاً آخر يدعم مؤقتاً أجور الذين يتخلّون عن وظيفة حكومية ليعملوا في القطاع الخاص بأجر أدنى.
محمد المنيخ، البالغ من العمر 30 سنة، كان أحد المستفيدين من هذه المبادرات، فقد ترك وظيفته الإدارية التي كان يحبها في صندوق الثروة السيادية الكويتي لتأسيس عمله الخاص في مجال تطبيقات الهواتف النقالة هذا الصيف.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان سينجح في ذلك، لكنه قال إنه قام «بمجازفة» انطلاقاً من سخطه من القطاع العام، حيث «تتم مكافأة الموظفين في الغالب لمجرّد حضورهم إلى العمل» بدلاً من جدارتهم. وأضاف أن الموظف يحضر عند الثامنة صباحاً ويمكنه المغادرة عند الساعة الثالثة من بعد الظهر.
وتشير بيانات العمل الرسمية إلى أن الموظفين الحكوميين يشكّلون نحو 84 في المائة من القوة العاملة الكويتية، مع العلم بأن هذا الرقم ليس مستغرباً في المنطقة.
في المقابل، لا يتخطّى متوسط العمالة في القطاع العام نحو 21 في المائة في الدول المتقدّمة في
«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، على الرغم من أن تعريف القطاع العام مختلف في منطقة الخليج.
ويَعتبر ندا الديحاني، الذي يسدي المشورة ويقدّم التوجيهات للشركات الكويتية الناشئة، أن
«العقلية السائدة هي أكبر مشكلة نواجهها في البلاد، إذ إن 95 في المائة من الشباب الكويتي يَعتقد أن العمل في وظيفة حكومية يوفّر له الأمان».
كما يمكن لجميع المنافع الإضافية التي توفّرها الوظيفة أن تولّد شعوراً بالولاء، فعلى الرغم من عروض العمل التي يقدّمها القطاع الخاص، قال محمد البصري، البالغ من العمر 47 عاماً، إنه لا يميل إلى ترك وظيفته بعدما أمضى أكثر من عقديْن يعمل لدى شركة «نفط الكويت» الحكومية. وأردف قائلاً «أنا أحب هذه الشركة وكأنها إحدى بناتي، فهي وفّرت لي كل ما أحتاج إليه».