د. السحيمي يرد على شبهات معتنقي الفكر المتطرف ">
المدينة المنورة - مروان قصاص:
سجل حساب المبادرة الشبابية لطلاب وطالبات جامعة طيبة (يلا ندردش) أكثر من مليوني مشاهدة خلال فترة قصيرة من انطلاقة الحملة التي تهدف إلى توعية المستهدفين وترسيخ سبل تعزيز الفكر المعتدل ومواجهة الشبهات والمشاركة في التطوير والتنمية الوطنية من خلال برامج وملتقيات وأدوات الإعلام الاجتماعي والتقليدي للمساهمة في سبل تعزيزه.
وقال الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي أستاذ الفقه بالدراسات العليا بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية عضو لجنة المناصحة مستشار مدير الجامعة ورئيس الهيئة الاستشارية، أن من أهم المرتكزات التي يقوم عليها حماية الفكر من الانحراف هي معرفة أسباب الانحراف: فإن معرفة ذلك سبب للحماية من الانحراف، فالجهل بالدين من أعظم الأسباب الحاملة على الانحراف في الفكر والتصور، ويتولد من ذلك عواقب وخيمة، فإن الشخص إذا جهل حقيقة التوحيد وقع فيما يضاده وهو الشرك، وإذا جهل حقيقة التكفير وقع فيما يضاده وهو تكفير المسلمين بغير حق، وكذلك إذا جهل حقيقة الولاء والبراء المحرم من غير المحرم وقع فيما يضاد ذلك، وإذا جهل حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يشترط لذلك وقع فيما يضاده، وإذا جهل حقيقة الذنوب وانقسامها والحكم على أهلها وقع في الظلم والجور، وإذا جهل ما يجب تجاه ولي الأمر المسلم، ومفارقة الجماعة وهكذا.. فالغلو ومجاوزة الحد في التكفير والخروج عن الضوابط الشرعية مع خطورة ذلك على الأفراد والمجتمعات والحكام والعلماء ونظام الجماعة، وتطبيق جميع الأحكام المترتبة على الكفر على المسلمين هو نتيجة للجهل بالدين واتباع الهوى.
والغلو في الدين مرض فتاك سريع العدوى، ونتائجه المدمرة عاجلة، وآثاره تفسد الدين والدنيا، وتهلك الحرث والنسل، ولما جُهِل حقيقة الجهاد الشرعي وضوابطه وحصل الغلو في ذلك صار قتال المسلمين من أسهل ما يكون باسم الجهاد، ولذا أوهم الشباب وصغار السن، بأن ذلك من الجهاد في سبيل الله، ولذا فإن نتيجة ذلك أنهم هدموا أصولاً وثوابت شرعية، وحقوقا مرعية، من لزوم الجماعة والسلطان والبيعة والطاعة والأمن، واستحلوا الدماء المعصومة، وقاموا بالتخريب والتفجير باسم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فوقعوا في جهل وظلم وجور في الأحكام، وهذه هي طريقة أهل البدع والأهواء، فإنهم كما قال العلماء: جمعوا بين الجهل والظلم في تكفير مخالفيهم.
ومن المرتكزات لحماية جناب الفكر: معرفة أن من أهم ما أوقع أهل الأهواء والجهل في الانحراف في مفهوم الجهاد وغيره هو المنهج الخاطئ في النظر والاستدلال؛ فأهل الأهواء والبدع لهم أصول في النظر والاستدلال خالفوا بها ما دلت عليه النصوص الشرعية، وأهمها اعتمادهم في معظم أبواب الاعتقاد على أصول تناقض الحق، وهي أصول وضعها وابتدعها زعماؤهم وشيوخهم، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن والسنة احتجوا به، وما خالفها تأولوه، ولذا ليس لهم عناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ولا بتحرير دلالتهما واعتمادهم على الأحاديث الواهية والضعيفة والمكذوبة على رسول الله، وردهم للأحاديث التي لا توافق أهواءهم، أو تأويلها واتباعهم للمتشابه وترك المحكم والجهل بأقوال السلف الصالح وتحريفهم للأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرفونه عن ذلك المناط إلى أمر آخر، موهمين أن المناطين واحد, وفتحهم لباب التأويل الفاسد للنصوص الشرعية بدون دليل.
وهذه الأصول التي ساروا عليها في النظر والاستدلال هي التي أوقعتهم في الانحراف، ثم إنه كما يقال: «لكل قوم وارث»، نجد هذه الأصول نفسها تتكرر في مواقع الإنترنت، وفي المؤلفات التي ينحو أصحابها ناحية الغلو والتطرف في باب الجهاد وغيره، ولحماية الفكر من الانحراف لا بد من معرفة هذه الأمور والتعامل معها بما يقطع شرها، أو يقلله.
وأضاف الدكتور السحيمي من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف مناقشة ومحاورة الشباب المتأثرين به، فإنه من خلال مشاركتي في برنامج المناصحة منذ أكثر من عشر سنوات، ومن خلال الجلوس مع الكثير من الشباب الموقوفين وغيرهم، وجدت كما وجد غيري أن أكثر الشباب الذين سلكوا مسالك الغلو والتكفير والتفجير إنما هم ضحايا التغرير والشحن العاطفي، مع صغر السن وقلة التجربة، وأن غالب القادة والرموز الذين غرروا بهم هم من خارج بلادنا، ويكيدون لها ولأهلها منذ زمن بعيد، حتى تهيأت لهم المصائد، وأنه من خلال المناقشات والمحاورات وفتح القلب وحسن المحاورة لهم تبين أن الكثيرين من شبابنا الذين غرر بهم ينقصهم العلم والتجربة، وتدفعهم الغيرة والحماس على دين الله بما يرون ويسمعون ويوجهون، في حين أنهم لم يحصنوا بالأصول والقواعد الشرعية التي تنير لهم الطريق، وتوضح لهم الحقائق الشرعية، وأن كثيرا منهم على استعداد للرجوع للحق والصواب متى ما قوبلوا بالحوار الهادئ، والمنهج العلمي المؤصل، والمناقشة التي يفهم منها المحاور أن المراد بها الخير له من أجل أن يعرف الحق، ويعمل به، بل إن الكثير منهم -والحمد لله- عاد لجادة الصواب، وندم على ما حصل منه، وما فاته من علم يستطيع به التمييز بين الأشياء المشتبهة.
ويتبين بجلاء أن ما حصل هو نتيجة لعدم تطبيق المرتكزات التي تقوم عليها رعاية الفكر والمرتكزات التي تقوم عليها الحماية للفكر من الانحراف.
وأوضح الدكتور السحيمي أن من المرتكزات لحماية الفكر من الانحراف الرد على الشبه التي تثار في الإنترنت وغيرها حول الجهاد، ومن أهمها:
الشبهة الأولى: أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الجهاد ماض إلى أن تقوم الساعة). والمخاطب به المؤمنون، فإذا كان طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه ولا يسقط عنها الفرض بحال؟
والجواب: أن الجهاد يتنوع بحسب الحال والقدرة التي يكون عليه أهل الإسلام والحال في الجهاد كالحال في الصوم والزكاة والحج لا بد من وجود الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، فالجهاد يجب بالسنان في حال قوة المسلمين وفق الشروط والضوابط المتقدم ذكرها، ويجب الجهاد بالحجة والبيان في حال ضعفهم، فالجهاد ماض إذا توافرت شروطه ومقوماته أما إذا لم تتوافر شروطه ومقوماته فإنه ينتظر حتى يعود للمسلمين قوتهم وإمكانيتهم واستعدادهم، ويكون في هذه الحال جهادهم بالحجة والبيان.
الشبهة الثانية: كيف يدخل المسلمون مع عدوهم في صلح وعهد، وقد استولى على بلاد المسلمين، والحال أن جهاد الدفع واجب عليهم؟
والجواب: أن النصوص الشرعية تدل على جواز عقد الصلح والهدنة سواء كان ذلك في جهاد الطلب أم في جهاد الدفع، وذلك إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك للمسلمين أو كان أهل الإسلام في ضعف فإن للإمام أن يصالح وأن يعقد الهدنة مع من يراه لصالح المسلمين.
أما إذا كان الإسلام ظاهراً على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا. وقد صالح النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين في صلح الحديبية لاقتضاء المصلحة ذلك.
الشبهة الثالثة: أنه لا يشترط إذن الإمام في الجهاد استدلالا بقصة أبي بصير، فإنه لما انفلت من المشركين رجع إلى الساحل وتعرض لعير قريش إذا أقبلت من الشام يأخذ ويقتل، فاستقل بحربهم دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنهم كانوا معه في صلح الحديبية؟
والجواب: أن أبا بصير ليس في قبضة الإمام ومع ذلك لم ينصره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الصحابة وإنما في هذه القصة دليل لمن حاله مثل حال أبي بصير ومن معه أنه يجوز له فعل ذلك فلا يتخذ ذلك قاعدة في الجهاد، فأبو بصير ليس في قبضة الإمام ولا تحت إمرته بل هو في قبضة الكفار وفي ولايتهم، فهو يريد أن يتخلص من قبضتهم وولايتهم، فليس هو تحت ولاية الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سلمه بموجب العهد والصلح الذي جري بينه وبين الكفار، فليس هو في بلاد المسلمين ولا تحت قبضة الإمام، والأدلة الشرعية المتكاثرة تدل على أن إذن الإمام شرط في القتال.
الشبهة الرابعة: أن جهاد الدفع لا يشترط له إذن الإمام لأن جهاد الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، وإذن الإمام مشروط في جهاد الطلب.
الجواب: تقدم الجواب عن هذه الشبهة وأن الأدلة تدل على ذلك، أي إذن الإمام إلا في الحال المستثناة التي تقدم ذكرها والعبرة هي بما دل عليه الدليل وقد دل الدليل على ذلك.
الشبهة الخامسة: قول بعضهم: إن الذين يقاتلون الكفرة يريدون نصرة الإسلام وأن يعود الإسلام عزيزاً بعد الذل الذي هو فيه وهم قد اجتهدوا، فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد.
والجواب: من المعلوم أن القصد الحسن وحده لا يكفي للقول بجواز العمل شرعاً فليست الغاية مبررة للوسيلة، بل يجب أن تكون الوسيلة مشروعة لتحقيق الغاية المشروعة والجهاد فريضة فرضها الله على أهل الإسلام وله أسباب وشروط وضوابط، والغاية إعلاء كلمة الله، وهو وسيلة لتحقيق مصلحة يقررها الإسلام وليست محل اجتهاد لآحاد أو مجموعات داخل الجماعة الواحدة التي لها إمام وله بيعة وأمر الجهاد موكول له، وليس هذا مما يدخل في أمر من اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، لاسيما أن الاجتهاد له شروطه وضوابطه التي بها يعرف من كان أهلاً للاجتهاد ومن لم يكن كذلك.
الشبهة السادسة: إن اشتراط إذن الإمام إنما محله الإمام الأعظم الذي تنطوي تحته جميع البلاد الإسلامية، وهذا مفقود اليوم فبطل هذا الشرط.
والجواب: أن اشتراط إذن الإمام في الجهاد يراد به كل إمام تولى على بلد من البلاد ولو تعددت الولايات كما تقدم نقل الإجماع في ذلك عن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وعن الشوكاني والصنعاني، فإجماع أهل العلم منعقد على اشتراط ذلك.