د. ناصر الحارثي ">
عندما أرادت ابنة النبي شعيب عليه السلام أن ترشح نبي الله موسى بتولي مهام إدارة السقاية وأمور الدنيا لعائلة شعيب قالت {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] «فربطت صفتين إذا اجتمعت بشخص حصلت على أفضل النتائج وهي «القوة والأمانة», وأتت هاتان الصفتان مترابطتين في مواضع عدة في القرآن الكريم منها:
الموضع الأول في قصة وصف الله -عز وجل- لملك الوحي جبريل عليه السلام في قوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين}. والموضع الآخر هو في قصة الجني مع النبي سليمان عليه السلام لإحضار عرش بلقيس حيث كان رد العفريت {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}.
وكما نلاحظ في المواضع الثلاثة أن القوة أتت قبل الأمانة، وهذا يدعم رؤية عمر بن الخطاب في تعيين الولاية، وذلك حين اشتكى أهل الكوفة سعد ابن أبي وقاص قال «من يعذرني في أهل الكوفة» إن ولَّيتُهم التَّقيَّ ضعَّفوه، وإن وليتهم القوي فجَّروه، فقال له المُغِيرة بن شُعبة: يا أمير المؤمنين، إنَّ التَّقيَّ الضعيف له تقْواه ولك ضعْفه، وإنَّ القويَّ الفاجِر لك قوته وعليه فُجُوره، فقال عمر: صدقْتَ،» وولاه الكوفة.
إن إدارة الدولة تحتاج إلى قوة وحزم وهي من الصفات المحببة في المؤمن، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم «(المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير).
كما أن القوة والأمانة في العامل أو الوزير مطلب أساسي فإن المتابعة من الحاكم والحزم والضرب بيد من حديد يجعلها دائرة مكتملة تعمل بكفاءة قصوى. كذلك عمر بن الخطاب كان يوضح للرعية السبب من تعيين الولاة والسفراء فيقول (أيُّها الناس، إنِّي والله ما أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه». وكانوا يعلمون علم اليقين بأن عمر يعني كل حرف قاله).
في عصرنا الحالي منّ الله علينا بملك الحزم والعزم والإدارة القوية لقيادة الشعب. نسأل المولى أن يمُنّ علينا بالقوي الأمين من أمراء المناطق وسفراء ووزراء ومديري جامعات حتى يكتمل الحلم السعودي بدولة قوية ونتغنى بأبيات خالد الفيصل بكل فخر «ارفع رأسك أنت سعودي».
المملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم تأهيلاً لأن تكون قوة عظمى، وذلك لعدة أسباب؛ اقتصادياً هي المسيطر على النفط العالمي والمتحكم في سعره، دينياً وروحياً هي قبلة المسلمين وتحوي المسجد النبوي وقبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، جغرافياً تقع في قلب العالم والأهم من هذا كله أنها تحتوي على شعب وفي محب لقيادته شجاع تستوي عنده الحياة والممات للدفاع عن تراب الوطن.