في مقال سابق تحدثت عن التحديات التي تواجه المؤسسات الأكاديمية في المملكة العربية السعودية، سواء كانت جامعات أوكليات تخصصية في اختيار القيادات الأكاديمية لتولي وظيفة رئيس القسم الأكاديمي أو عميد، وحيث إن هذا الأمر بحد ذاته ليس تحدياً خاصاً بالواقع الأكاديمي السعودي بل هو ظاهرة عامة في عموم بلدان العالم، لذا ونتيجة للتوسع العالمي في التعليم العالي، وتعاظم الحاجة لقيادات أكاديمية قادرة على تحقيق التميز في مؤسساتها التعليمية والتنافس على استقطاب تلك القيادات أينما وجدت، فقد برزت الحاجة لوضع برامج ومراكز تعني بتطوير القيادات الأكاديمية، وفي المملكة تم في العام (1430هـ) تأسيس (مركزالقيادة الأكاديمية) كأحد مؤسسات وزارة التعليم العالي حينها، وقرر أن يتولى المركز تطوير القيادات الإدارية في الجامعات والكليات السعودية، ومع بلوغ المركز عامه السادس إلا أن أثره في تطوير القيادات الأكاديمية لازال دون الطموحات فمنذ أسس المركز ونشاطه يتمحور حول ورش العمل التي يقدم معظمها خبراء أجانب، أما نشاط المركز في الجوانب الأخرى كالبحوث الإستقصائية أو الدراسات الميدانية أو تقديم الاستشارات التطويرية للجامعات والكليات فهو قليل جداً.
بل إن المحتوى العربي في موقع المركز على الإنترنت ضئيل وغير محدث منذ فترة طويلة مقارنة بالمحتوى باللغة الإنجليزية.
وحيث إن المركز يدار من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لذا لايبدو كمركز شامل لتطوير القيادات في الجامعات السعودية بقدر ما يبدو مركز تابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
بقدر الاستقصاء عن الأثر الذي تركة مركز القيادات الأكاديمية في تطوير القيادات الأكاديمة السعودية فقد سعيت للاستقصاء عن أثر بعض المراكز المشابهة في بعض البلدان المتقدمة، وربما كان أبراز هذه المراكز من حيث الإنجازات هو مؤسسة القيادة للتعليم العالي (Leadership Foundation in Higher Education) في بريطانيا وهي مؤسسة غير ربحية تعني بتطوير القيادة الأكاديمية في ما يربو على (60) جامعة في بريطانيا ولها نشاطات استشارية خارجها وقد أنجزت المؤسسة بعد سبع سنوات من إنشائها تطبيق نظام التطوير القيادي في (73%) من الجامعات التي تنشط بها، وأصبح (84%) من منسوبي تلك الجامعات مندرجين في برنامج التطوير القيادي، هذا الى جانب عدد كبير من الدراسات البحثية والاستشارات والمنشورات التي تصب في عملية تطوير القيادات الإكاديمية، المركز الآخر والجدير بالاقتداء هو المجلس الأمريكي للتعليم (American Counsel on Education) حيث ينتسب لعضويته أكثر (1600) مؤسسة تعليمية ويولي التطوير القيادي للأكاديميين معظم الاهتمام.
ومن أهم برامجه في تكوير القيادة هو (زمالة المجلس الأمريكي للتعليم) والتي حصل عليها حتى الآن (1800) أكاديمي معظم في مواقع قيادية في مؤسساتهم التعليمية وللحصول على هذه الزمالة يتطلب حضور برامج تطويرية في الجوانب القيادية والنظامية والاشتراكات في مؤتمرات ونداوت محددة الى جانب القيام ببحوث ودراسات متخصصة في الجوانب القيادية والاشتراك في الشبكات الاجتماعية المتخصصة كمتلقٍ للإرشاد القيادي وكمرشد لآخرين.
في دول أخرى مثل كوريا واليابان وسنغافورا وبعض الدول الأروبية هناك أكثر من مركز متخصص بالتطوير القيادي لدى الأكاديميين، بل إن هذا الجانب في تطوير أداء التعليم العالي قد استهلك الكثير من الجدل في كوريا الجنوبية عندما عزمت وزارة التعليم الكورية منح الجامعات الحكومية قدرا أكبر من الاستقلالية، فكان تطوير القيادات الأكاديمية من أهم عناصر الاستقلالية، لذا عمدت معظم الجامعات الكورية لتأسيس مراكز تطوير قيادة خاصة بها، وفي أستراليا ألغت الحكومة في عام (2012) المجلس الأسترالي للتعلم والتدريس (Australian Learning الجزيرة Teaching Council (ALTC) والذي كان يتولى مهمة تطوير القيادت الأكاديمية وجعلت هذه المهمة منوطة بالجامعات والاكاديميات المتخصصة، وكذلك الأمر حدث في جنوب أفريقيا حيث تخلى مجلس التعليم العالي عن مهمة تطوير القيادات الأكاديمية وجعلها من صميم مهام الجامعات .
الجامعات السعودية لا زالت تفتقر لإستراتيجية موحدة أو إستراتيجيات خاصة بكل منها فيما يخص تطوير القيادات الأكاديمية نتيجة غياب الإطار المنظم لذلك حيث لم يول هذه الأمر من قبل وزارة التعليم العالي (سابقاً) القدر الكافي من الاهتمام كما لم يكن من مهام مجلس التعليم العالي الملغى، وهذا الواقع لا زال هو الحال في التعليم العالي في المملكة، بل أن معظم القصور في بلوغ كثير من الجامعات السعودية مستويات متقدمة في الاعتمادات الأكاديمية العالمية رغم الميزانيات الضخمة التي تخصصها لها الدولة عائد لضعف التأهيل القيادي بمنظوماتها الأكاديمية والإدارية، لذا على وزارة التعليم وهي كما يبدو تتجه لمنح الجامعات قدرا أكبر من الاستقلالية، الطلب من كافة الجامعات السعودية وضع تطوير القيادات الأكاديمية ضمن إستراتيجياتها وأن تسعى لوضع برنامج ( تحول مبرمج) يشمل تأسيس مراكز لتنمية القيادة لديها وأن يولى هذا الأمر جل الاهتمام .
د. فوزية بنت محمد أبا الخيل