عارف العضيلة ">
نسمع كثيراً عن تأخر البضائع في موانئ المملكة العربية السعودية، ونسمع ونقرأ كثيراً عن شكاوى التجار والمستوردين والمصدرين بسبب هذه التأخيرات. شخصياً عشت وعايشت هذه التجربة منذ ثلاث سنوات وما زلت أعاني منها..
وتساءلت كثيراً هل يوجد مبرر لهذا التأخير الطويل؟
وتساءلت هل هي مشكلة كبيرة؟
هل يوجد لها حلول؟ أم أنها تصنف من المشاكل التي لا يمكن حلها؟
وهل يوجد مسببات أمنية واجتماعية تقتضي تأخر البضائع في الموانئ السعودية؟
من حسن الصدف أن تجربتي مع الموانئ كانت في ميناءين كبيرين؛ الأول ميناء جدة الإسلامي أكبر الموانئ السعودية على الإطلاق.
والثاني هو ميناء روتردام؛ أكبر موانئ أوروبا على الإطلاق، وكان إلى ما قبل عشر سنوات أكبر موانئ العالم، قبل أن يقوى المارد الصيني وينمو ميناء شنغهاي.
وفي ميناء جدة الإسلامي (حافظة البضائع) تبقى فترة زمنية طويلة؛ أقل مدة هي 30 يوماً، وبالتأكيد فإن هذه المدة تزيد في أحيان كثيرة، تصل إلى ست أشهر.
هذا التأخير يولد الكثير من الخسائر المالية والإدارية على الحكومة أولاً؛ بصفتها المالك للميناء والمشغلة له. فالبضائع تتراكم والأعباء تزيد والمهام تنمو وتكبر.. هذا أولاً. وثانياً التاجر يكبده التأخير خسائر مالية لها أول وليس لها آخر. وهذه الخسائر لن يتحملها التاجر بل سيحملها على المستهلك النهائي الذي في الغالب هو المواطن البسيط.. وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والبضائع، أضف إلى ذلك الخسائر التي قد يتكبدها التاجر في قرب نهاية تاريخ الصلاحية والتزامات شركات التأمين والشحن والنقليات.
أنا متأكد جداً أن المستورد والمصدر من وإلى الموانئ السعودية -التي أكبرها ميناء جدة الإسلامي لا يعرف تاريخاً محدداً لاستلام بضاعته، وهنا يكمن الخلل الأكبر في الموانئ السعودية.
نعود إلى ميناء روتردام الهولندي الذي يشهد ضغطاً أكثر بكثير مما يشهده ميناء جدة الإسلامي.
هذا الميناء تستغرق فترة استلامك لبضاعتك في الغالب 24 ساعة فقط، منذ وصولها إلى الميناء وإن تم التأخير في الحالات النادرة والنادرة جداً يكون أسبوعاً كحد أقصى.
وهنا بحثنا عن السبب أين الخلل؟ ومن المسئول؟
وبالتأكيد فإن أي خلل أو نجاح مرده إلى الإدارة والإدارة فقط.
الموظف في ميناء روتردام يسعى جاهداً إلى تخليص كل الشحنات بأسرع وقت، ويطمع أن تصل إليه شحنات جديدة ليتمكن من تخليصها وفق الاشتراطات والأنظمة والتعليمات المنظمة لمثل هذه العمليات.
بينما الموظف في ميناء جدة الإسلامي لا يتمتع بذات الحماس.. مما يؤدي إلى التأخير والتكدس وزاد مع مرور الأيام.. وذلك بسبب طول إجراءات الجمارك.
حين أقرت القيادة السياسية العليا في المملكة أن تكون الموانئ مؤسسة عامة، فكانت تسعى إلى أن تبعد الجمارك عن البيروقراطية الحكومية ومصاعبها ودهاليزها الإدارية المعقدة. كانت القيادة ترغب بأن تكون الجمارك مصلحة تتمتع باستقلالية في العمل واتخاذ القرار.. وذلك حفاظاً وصوناً لحقوق أبناء الوطن.
ولأن مصلحة الجمارك هي مصلحة عامة مستقلة، فالحلول يجب أن تكون لديها سريعة وعاجلة.
فالحل الأول في سرعة إنجاز تخليص البضائع، يكمن في الموظف المسئول نفسه الذي هو رجل الميدان في الميناء.. أولاً يجب تطوير قدراتهم ومهاراتهم من خلال الدورات التدريبية المتخصصة، ومن ثم يتم وضع سلم للترقيات والعلاوات يربط مباشرة في إنجازات الموظف في الميدان.. فكل شحنة يتم تخليصها توضع لها درجات خاصة، وكل شحنة مخالفة يتم ضبطها لها درجات خاصة، وسرعة الإنجاز لها درجات خاصة، هذه المعايير تربط كمكافـآت مالية وعلاوات وترقيات الموظف نفسه..
وهكذا سيتحول الموظف إلى طاقة من العمل والنشاط والاجتهاد.. ويسعي لإنجاز أكبر قدر ممكن من تخليص البضائع وفق الأنظمة والتعليمات.
حالياً، موظف الميناء لا يشعر بالحماس، لعدم وجود الدافع المالي والمعنوي لإنجازاته، ويتساوى من يعمل ومن لا يعمل. وهنا مكمن الخلل.
لقد شاهدت الموظفين في ميناء روتردام وهم يبادرون ويسارعون للعمل.. وحين سألت وجدت الجواب.. إن العلاوات والمكافـآت تمنح بسرعة ودقة الإنجاز، لقد نجحت شركات الاتصالات السعودية في تطبيق هذا المبدأ، فجعلت الترقية ترتبط بسرعة ودقة إنجاز الموظف وكذلك البنوك السعودية.
نتمنى أن تبادر مصلحة الجمارك بدراسة هذا المقترح.. وتسعى إلى تطبيقه بأسرع وقت ممكن.