محمد آل الشيخ
الإسلام غير المذهبي لا وجود له على سطح الأرض إطلاقًا، فالإسلام المعاصر هو إسلام مذهبي بالضرورة، لذلك يمكن القول وبعلمية أن إقحام الإسلام في قضايا السياسة، واعتبار أن على المسلم التمسك بما يدعوا إليه الداعية المسيّس، هو تكريس في النتيجة للطائفية في وجهها المذهبي، لأن هذا الداعية المسيس يفسر النص الديني ومدلولاته على أسس طائفية؛ وقد رأينا وعاصرنا ما تسوقه الصراعات الطائفية والمذهبية من أهوال وقلاقل ودماء، سواء بين السنة والشيعة كما يجري الآن في العراق وسوريا، أو ما يجري من فتن وإرهاب دموي وفتك وغدر في مصر وكذلك في ليبيا وهم جميعًا ينتمون إلى المذهب السني، فالصراع في هاتين الدولتين هو صراع بين فئات سنية محضة، من منطلقات دينية، لا دخل للشيعة فيها.
وتأسيسًا على المنطق الموضوعي الذي استعرضته فيما تقدم، فإن الحقيقة تقول: إن علينا إذا ما أردنا اجتثاث الإرهاب أن نتعامل بشجاعة مع الرحم الذي أنتجه ابتداء، وهو (الإسلام السياسي المذهبي)، فلن ينته هذا السرطان الفتاك إلا إذا اقتنع أغلبية المسلمين أن التعصب للمذهب أولاً، وثانيًا لتفسير محدد داخل المذهب على أنه الحقيقة المطلقة التي لا تشوبها شائبة، في مسائل السياسة، هو الجذوة التي أشعلت الإرهاب بكل أشكاله، سواء كان هذا الإرهاب داخل العالم الإسلامي، أو تم تصديره إلى العالم غير الإسلامي، كما يجري الآن في الغرب من قبل بعض المسلمين المهاجرين هناك.
ومن يقرأ بدايات تاريخ الإرهاب، وكيف نشأ وتكون، يجد أنه بدأ أول ما بدأ في أفغانستان، حينما تم توظيف المجاهدين المسلمين لمواجهة (الاتحاد السوفييتي) هناك، فقد كان هذا التوظيف السياسي العسكري هو الذي أسس في العصر الحديث الإسلام السياسي، وكانت (الولايات المتحدة) وحلفاؤها في المعسكر الغربي يغدقون على المجاهدين هناك المال والسلاح وما يحتاجون إليه من الدعم اللوجستي الإعلامي والثقافي، فتكوّن لهم كيانات ووجود ثقافي في مختلف الدول الإسلامية، ليقاتلوا بالوكالة الغزاة السوفييت الملحدين بكل الأديان، وحينما وضعت الحرب في أفغانستان أوزارها، وانسحب السوفييت، تخلت عنهم أمريكا والغرب، وألقت بهم على قارعة الطريق، غير آبهة بأن البذرة التي بذرتها، وجذرت ثقافتها وتولتها بالرعاية والدعم والمساندة، كان لا بد أن تجد لها حلولاً، من شأنها أن تجعلها تتعايش مع السلام، وليس الإهمال، وترك المجاهدين يعودون إلى مجتمعاتهم وهم لا يتقنون غير القتال والتعامل مع السلاح، هؤلاء كانوا طلائع (الإسلام السياسي)، الذي كان قد نما واشتد عوده، وتكرست جذوره، وأصبح واقعًا على الأرض، لا بد من التعامل معه باهتمام، قبل أن ترتد عليك بندقيته.
أضف إلى ذلك أن انتصار (ثورة الخميني) في إيران، وهي ضرب من ضروب (الإسلام السياسي) بصبغة شيعية، وقدرته على إسقاط الشاه، قد أغرت أقطاب الإسلام السياسي السني، على توظيف المجاهدين العائدين من أفغانستان، للعمل على قيام دولة سنية، غير مدنية، وأن بإمكانهم أن يستنسخوا التجربة الخمينية، ولكن بصبغة سنية.
كما أن اليساريين العرب (الثوريين) الذين شعروا بمرارة الهزيمة وفشل المشروع اليساري بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي وجدوا أن الإسلام السياسي المعاصر أقرب إليهم من الغرب والإذعان بالهزيمة، فتأسلم كثيرون منهم، وصبغوا الإسلام السياسي بصبغتهم الثورية اليسارية التي تمجد العنف وتدعو إلى النضال المسلح، فبدلوا قبعة (غيفارا) بعمامة وقفطان القرضاوي وشماغ ابن لادن، واستمروا في نضالهم ضد الغرب.
واليوم لا بد من العودة إلى البدء، وإلى مقولة «بطرس الريحاني»، التي أطلقها في نهايات القرن التاسع عشر وتبناها في بدايات القرن العشرين «سعد زغلول»، وفحواها (الدين لله والوطن للجميع)، ونجتث المذهبية، والطائفية، وننأى بالإسلام ومفاهيمه المقدسة والمتسامحة عن مستنقعات السياسة، ويتعايش أصحاب الوطن مع بعضهم البعض تحت هذا الشعار بناء على (عقد اجتماعي) جديد فحواه هذه المقولة، وليس ثمة حل للإرهاب وكوارثه في رأيي إلا هذا الحل.
إلى اللقاء