استخدام الكلمات البذيئة والعبارات النابية واللوحات المنقولة خطرٌ على عقيدة المسلم ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الكلمات البذيئة والعبارات النابية من أسوأ العادات والسلوكيات التي يمكن لأي شخص أن يكتسبها، وهي عادة وسلوك سيئ مشين، انتشر بين الشباب في الملاعب الرياضية.
وقد تنوعت الأساليب والوسائل المستخدمة ضد الفرق المنافسة، حتى أنّ البعض مع الاستخدام اللفظي في البذاءة تجده يستخدم لوحات كُتب عليها بعض العبارات التي تسيء للإنسانية، والأخطر معها حينما تحمل عبارات شركية، وهي جهل ممّن أعدّها واستخدمها في الملاعب وهو لا يعرف خطر ذلك على العقيدة الإسلامية الصحيحة.
وبعض العبارات خادشة للحياء.
ولا شك أنّ مشكلة الألفاظ النابية والتلفّظ بالسّب واللعن وغيرهما من المشكلات المنتشرة، وهي من الأمور التي تنخر في جسد المجتمع. عدد من ذوي الاختصاص والرأي تحدّثوا لـ «الجزيرة» عن ذلك.
مظاهر سلبية
بداية، يشير الدكتور فيصل بن بجاد السبيعي رئيس قسم التربية وعلم النفس بكلية التربية والآداب بتربة إلى أن الاهتمام بالرياضة يشكِّل حيزاً كبيراً من اهتمامات الشعوب على المستوى العالمي، سواء على مستوى اللعب أو التحليل والنقد، أو التشجيع، أو المتابعة.
ومن الطبيعي أن لكل فرد في المجتمع - غالباً - انتماء لأحد أندية وطنه، وفِرق أخرى يميل إليها حباً وعشقاً لما تقدم من مستوى فني عالٍ، سواء من الوطن العربي أو العالم.، كما يميل بعض المشجعين لتشجيع لاعب بعينه؛ فيتمثل ذلك اللاعب النموذج والقدوة له في لعبه، وأحياناً في سلوكياته ومظهره وتصرفاته، وذلك من خلال الانفجار التقني الذي أسهم بشكل أو بآخر في التواصل بين العالم حتى أصبح العالم متصلاً بعضه ببعض.
كما يضيف: تشجيع الجماهير الرياضية لناديها بجمالية ومؤازرة للفريق يحفز الفريق للحماس من خلال محبيه وعشاقه ممثلاً في رابطة مشجعيه، وبقية محبي النادي ومشجعيه، من خلال طرق التشجيع، التي منها ما يعرض من عبارات ولافتات، أو ما ظهر في الآونة الأخيرة بما يسمى بـ(التيفو)، وهو عبارة عن لوحة فنية تتكون من قطع صغيرة من الورق أو النايلون، ترفع من الجماهير كافة عند دخول الفريق لأرضية الملعب؛ لتشكل لوحة كبيرة ذات صورة أو كلمة، تتزين بها المدرجات في مختلف المناسبات، وقد ساهمت في جذب الجماهير للحضور للملاعب للتشجيع. وقد ضرب بعض مشجعي الأندية أروع تيفو من خلال التشكيلة الفنية للوحة المشكلة، كالتيفو الذي حمل عبارة (حبيبي يا رسول الله). وقد كسب هذا التيفو احترام ومحبة الجميع؛ إذ قدمت جماهير النادي رسالة الشاب المسلم، واستُخدمت الرياضة لخدمة قضايا الإسلام.
وظهر في الآونة الأخيرة في ملاعبنا الرياضية بعض مظاهر التشجيع السلبية، كرفع بعض العبارات التي تخدش الحياء، أو بعض المنشورات التي تؤجج الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد. وقد تطاول البعض من الجهلة برفع عبارات شركية جهلاً بحقيقة تلك العبارات ومخالفتها العقدية.
ويشكّل انتشار العبارات التي تخدش الحياء أو تؤجج الحقد والكراهية أو العبارات الشركية ممارسات سلوكية دخيلة على المجتمع الإسلامي.
كما أنّ انتشار تلك العبارات في المجتمع الرياضي المسلم تقوده بعض الجماهير باسم الانتماء والتشجيع للنادي. وهذه مغالطة مرفوضة عقلاً ومنطقاً؛ وذلك أن المجتمع السعودي ذو خصوصية ثقافية إسلامية، تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى غير المسلمة، وذلك من قبيل خصوصية الثقافة لكل مجتمع.
كما أنَّ حماية الأعراض من جملة الضروريات التي حفظتها جميع الشرائع السماوية، وأكدتها شريعتنا الإسلامية السمحة في كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأشارت إليها أنظمة الحكم في المملكة العربية السعودية.
أسباب الظاهرة
ويبيّن د. السبيعي أنّه قد ساهم في تفشي هذه الظاهرة جملة من الأسباب، منها:
* جهل البعض بدلالاتها من جهة، واللامسؤولية من جهة أخرى. ويقود تفشي هذه الظاهرة لتفتيت وحدة وتلاحم أبناء الوطن؛ إذ إن الوطن مكون من هؤلاء المشجعين وغيرهم من مكونات الوطن، فهم أبناء وطن واحد، ونظام واحد. ومجموع تلك الأندية الرياضية يشكل مجموع المنتخب الوطني الواحد، الذي يرتدي شعاراً واحداً، لانتماء الكل لهذا الوطن الغالي.
* وقد ساهمت المحاكاة والتقليدُ الأعمى لما تقوم به بعض الجماهير العالمية في تفشي تلك الظواهر في ملاعبنا السعودية.
* إضافة إلى أنّ التعصب الرياضي الذي تقوده بعض الصحف وبعض البرامج الرياضية يؤدي إلى خفوت جمالية الرياضة والتشجيع والانتماء للأندية؛ ما قاد بعض المشجعين لخروجهم من مساحات الروح الرياضية إلى مساحات الحقد والكره للفرق الأخرى.
* والمؤسف حقيقة نشوء هذه الظواهر في رحاب الإعلام، وأمام صمت الجهات المعنية والموجهة للإعلام الرياضي.
* غياب الجانب الرقابي للجهة المسؤولة في رعاية الشباب لمتابعة تلك الظواهر وتطورها دون متابعة أو محاسبة أو توجيه أو عقوبة إذا تطورت الظاهرة وتفشت.
ويمكن أن تصحح تلك الممارسات بطرق تشجيعية وتحفيزية ونموذجية، منها:
* يمكن لرابطة مشجعي الأندية الرياضية أن تساهم بطريقة أو أخرى في محاربة تلك الظواهر غير المرغوب فيها.
* كما أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب تتحمل المسؤولية الكبرى لنشر ثقافة الوعي بكيفية التشجيع الرياضي.
* ويمكن لرئيس النادي توجيه محبي وعشاق ناديه للتشجيع الرياضي القائم على احترام الفريق الآخر، عن طريق موقع النادي، أو حساباته الرسمية في قنوات التواصل، أو عن طريق منشورات النادي، أو عبر اللقاءات التي تجرى معه أو مع أعضاء الشرف أو لاعبي الفريق.
* مساهمة البرامج الرياضية في نشر ثقافة روح التشجيع الرياضي العالي، وكذلك القيم الجمالية الإسلامية، وذلك ومن خلال البرامج والمواضيع التي تطرح للنقاش، ومن خلال استضافة الشخصيات المتزنة المشهود لها بتملك عقولها، ويهمها وحدة الوطن، وتلاحم أفراده.
* كما يجب أنّ تتضافر جهود الجهات المسؤولة، سواء على مستوى إدارة الفريق، وأعضاء الشرف، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي الرسمية والشخصية، وبقية قنوات الإعلام المسموع والمشاهد والمقروء في نشر ثقافة التشجيع الرياضي الموسوم بحقيقة الانتماء للنادي، والتشجيع المتزن، وتحقيق الترويح الرياضي المنشود من تشجيع الأندية.
استفزاز إعلامي
ويؤكّد الدكتور راشد بن محسن آل لحيان الأستاذ المساعد في قسم أصول الفقه بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز عضو الجمعية الفقهية السعودية أنه تقع سلوكيات خاطئة من بعض مشجعي الرياضة، وقد ازدادت هذه المخالفات والسلوكيات في الآونة الأخيرة بما يوجب علينا جميعاً الوقوف معها ومعرفة الدوافع التي أدت إليها. ولعل من أسباب هذه السلوكيات - في نظري - الأمور الآتية:
1- الإعلام المستفز؛ فإن بعضاً من الإعلاميين والمحللين واللاعبين تسبب في وجود احتقان وتعصب لدى كثير من المشجعين.
2- المفهوم الخاطئ في النظر إلى الفوز أو الخسارة في الرياضة بأنواعها، واعتبار ذلك هو المقصود الأصلي، ونسيان المقصد الأساس منها، وهو الترفيه أو الحفاظ على الصحة أو التنافس الشريف.
3- عدم قيام المشاهير من اللاعبين والمحللين والإعلاميين بالدور الواجب في تصحيح هذه السلوكيات لدى المشجعين، وتوجيههم للأسلوب الصحيح في التعبير عن التشجيع والإعجاب.
4- تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. ويتجلى ذلك في عدم تقبل فوز أي فريق آخر غير الفريق الذي يشجعه.
5- عدم قيام المؤسسات والمحاضن التربوية بالدور الكافي تجاه هذه السلوكيات، سواء في الحديث عن خطورتها أو في وضع برامج متكاملة في معالجتها.
ولذلك فإنه يجب استشعار خطورة هذه السلوكيات والتصرفات، والعمل على معالجتها.
ومن الحلول لهذه القضية - في تقديري - الأمور الآتية:
1- قيام الجهات المعنية في الدولة (المؤسسات التعليمية والتربوية) بدورها في تثقيف الشباب من خلال إقامة ندوات وورش عمل للتوعية بأخطار هذه السلوكيات.
2- قيام الإعلام بالدور المطلوب منه في التحذير من هذه السلوكيات، والاستفادة من تأثير المشاهير على الشباب، وأهمية مشاركتهم في توجيه المشجعين للبعد عن هذه المظاهر السلبية.
3- وضع عقوبات صارمة لمن يؤجج التعصب أو يساهم فيه بأي شكل من الأشكال.
4- استغلال المناسبات الرياضية في إظهار وإبراز قيمة الأخوة الإسلامية.
5- تكريم كل رياضي أو صحفي أو كاتب يسهم في علاج هذه المشكلة وإبراز دوره لحث البقية على الاقتداء به.
6- مساهمة الدعاة والمفكرين وأصحاب الرأي في المجتمع في علاج هذه السلوكيات من خلال بيان المقاصد الأساسية التي وضعت لأجلها الرياضة، والأثر السلبي لهذه الممارسات على الوسط الرياضي خصوصاً، وعلى المجتمع عموماً.
7- وضع بدائل مناسبة، يستطيع من خلالها الشباب إظهار مشاعرهم في حدود المباح ودون محاذير شرعية.
8- وضع مسابقات في إيجاد حلول لهذه المشكلة من خلال بحوث أو نشرات أو مقاطع توعوية عن هذه الممارسات، ووضع جوائز قيمة للمشاركات المتميزة.
9- عمل برامج زيارات ولقاءات أخوية بين لاعبي الفرق المختلفة، ولاسيما المتنافسة، ونشر ذلك على وسائل الإعلام لإظهار المحبة والألفة بينهم للجمهور المتعصب الذي يظن أنهم أعداء لبعضهم؛ حتى يفهم أن المنافسة فقط بين جنبات الملعب.
المفردات والمصطلحات
ويقول الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم النوفل وكيل كلية اللغات والترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنه لتصحيح مثل هذه السلوكيات بشكل عام والألفاظ المنافية للمعتقدات الإسلامية بشكل خاص ينبغيعلينا أن نراعي عدداً من الأمور:
أولاً: يجب النظر في الأسباب التي تؤدي إلى نشوء مثل هذه الظاهرة. فمن المعروف أن الاحتكاك بالحضارات والثقافات الأخرى أو الديانات الأخرى يؤدي إلى تبني أو استعارة بعض المفردات والمصطلحات الموجود في تلك الثقافات أو الديانات؛ لذا ينبغي علينا التأكد بداية من أن لا يكون تلقينا سلبياً لمثل هذه المفردات والمصطلحات. فمن المتعارف عليه أن المفردات المتداولة في بعض اللغات لها دلالات ومعانٍ محددة في سياقات محددة، قد تخالف الدلالات والمعاني في اللغة التي تمت الاستعارة إليها؛ لذا فإن بعض الكلمات قد توظَّف سلبياً عند استعارتها، ولاسيما بين اللغات التي بينها تباين واضح. فعلى سبيل المثال: كلمة امرأة قد يكون لها دلالة طبقية اجتماعية في لغة ما، ولها دلالة جنسية في لغة أخرى، ودلالة عاطفية في لغة ثالثة.. لذا فإن المعرفة باللغة المستعار منها هو من أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند استخدام المفردات المستعارة من أي لغة كانت.
أما على صعيد التعامل مع المفردات التي تخدش الحياء المستعارة فإن المعرفة بمعاني المفردات المستعارة ودلالاتها في لغتها الأم هو من أهم الخطوات التي يجب التنبه لها والحذر منه؛ لما قد تحمله من دلالات وانعكاسات سلبية على المتلقي. كذلك ينبغي زيادة الوعي والثقافة العامة للنشء للحد من سوء استخدام هذه المفردات؛ لذا فإنه ينبغي على المربين والعاملين في مجال التربية والتعليم بذل المزيد من الجهد لتثقيف من هم في دائرة مسؤوليتهم واهتماماتهم بخطورة استخدام المفردات المستعارة الدخيلة المتوافرة في اللغات الأخرى دون المعرفة والعلم بدلالاتها ومقاصدها اللغوية والاجتماعية في اللغة الأم.
وعلى المنوال نفسه يجب أن لا تكون ردود أفعالنا تجاه ما نستعيره من مفردات ومصطلحات متحيزة للغة دون أخرى؛ لأن الاستعارة بين اللغات وتبادل المفردات بين اللغات هو من السمات اللغوية المنتشرة بين جميع اللغات، بل هو من السمات التي تُكسب اللغة قوة ومرونة وقابلية للتعايش والتعامل مع المستجدات، سواء في المجالات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.