التقرير مستند يحتوي على خلاصة لموضوع ما، غرضه إظهار حقائق وبيانات وتقديم أفكار جديدة أو مقترحات أو توصيات، ومن فوائد التقارير بيان الجهود التي بُذلت، والتعرف على مدى تحقق الهدف بالإضافة إلى تقييم الوسائل والأساليب المستخدمة والنتائج، كذلك التعرف على السلبيات والإيجابيات ونقاط الضعف والقوة والاستفادة منها مستقبلاً.
أما الهدف من وضع التقرير هو في حد ذاته تقرير لواقع معين، أو لنقل معلومات أو لتقرير واقع يضم الحقائق كما هي دون حذف أو إضافة، أيضًا للإرشاد بغرض تقديم إيضاح، ولتوصيل معلومة، بمعنى أن التقرير يمكن أن يقود إلى اتخاذ قرار معين.
مقصود التقرير العلمي هنا فيما يهمنا هو تلك المادة التي أعدتها لجنة المناقشة أو التحكيم، وجاءت تحمل الملاحظات الفنية والعلمية عن البحث أو الرسالة التي قُدمت للمناقشة والتحكيم من صاحبها والمشرف عليه.
الطرح حول هذا الشأن يرتبط بالتقرير العلمي «المنشور أو المطبوع» في نهاية الرسالة العلمية، وهو يتحدد حول الإجابة عن هذا السؤال المهم: هل هنالك رسائل علمية في الجامعات العربية والإسلامية تحتوي على تقارير علمية منشورة بمؤخرة البحث أو الرسالة، يتبين فيها ما أصاب فيه الباحث أو أخطأ، وحددته لجنة المناقشة أو لجنة التحكيم، فضلاً عن الجليل والدقيق مما أبداه المناقشون بكل ما جاء في الرسالة؟ الإجابة: لا نجد ذلك إلا في الكتب التي تنشر بها ملاحظات القراء ومن تناول مادة الكتاب بالنقد ويكون ذلك غالبًا بعد النشر ثم تنشر تباعًا وفق الطبعات ووفق أمانة مؤلف الكتاب، أما هذا التقرير العلمي المنشور في مؤخرة الرسالة فلا.
لقد لفت الانتباه إلى ذلك أستاذي العزيز وأخي الفاضل الدكتور حسام عبد الظاهر- الباحث بمركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية - الذي دوّن فكرته العميقة (في 20 سبتمبر 2015م) تحت عنوان: «رسائل الماجستير والدكتوراه وأضغاث أحلام»، والتي أعتقد أنها لا تحمل سوى المنهج العلمي ولكنه ينشد فيها غايته المثالية في أصول المنهج والبحث التاريخي على وجه الخصوص والتي قد تصلح ليس فقط في الجامعات المصرية، بل وفي جامعات العالم العربي والإسلامي.
فعن الفكرة يقول د. حسام عبد الظاهر: «كم تمنيت في الرسائل العلمية التي قُدمت لنيْل درجة الماجستير أو الدكتوراه أن يُرفق بها كجزء ملحق في نهايتها تقارير علمية وافية قام بإعدادها أعضاء لجنة مناقشة الطالب، وألا يكون من حق الطالب إجراء أية تعديلات على الرسالة طالما قدمها للمناقشة، وهذا الإجراء لا يمنع الطالب بطبيعة الحال من قيامه بأية تعديلات في حالة طبع الرسالة ككتاب بعد ذلك».
ثم بيّن الهدف من فكرته التي قام بطرحها بقوله: «وأرى أن مثل هذا الإجراء إن تم سيكون في صالح جميع الأطراف: في صالح الطالب: بأن يجعله هذا الأمر يتحرى الدقة التامة؛ إذ إن معرفته بأن أخطاءه وملاحظات المناقشين على رسالته سيتم إدراجها كجزء مرفق برسالته سيجعله يتأنى ولا يقدم الرسالة للمناقشة إلا بعد التأكد من أنه قد قدم كل ما بوسعه فيها.. كما أنه في صالح الأساتذة المُناقشين: وذلك بالحفاظ على جهدهم العلمي في قراءة الرسالة ونقدها.. هذا فضلاً عن أن هذا الإجراء سيضمن للطالب ورسالته جدية المناقشين في قراءة الرسالة والتعليق العلمي الدقيق عليها.. وفي صالح قراء الرسالة: الذين سيجدون عملاً علميًّا مبدئيًا ومعه النقد الذي وجه إليه من قبل المناقشين، مما يمدهم بفائدة علمية كبيرة.»
وتناول فكرته بالنقد الغاية منه تتحدد في التطبيق الفعلي والعملي للفكرة وليس لدحضها بل هو في حد ذاته عرض للمخاوف والمصلحة في النهاية تخص صاحب الرسالة أو البحث في العموم، فكان تعليقي الأول على ذلك هو: «دونما أن تحمل نفسي شيئًا مُشينًا بالمُناقشين، والذين وجدت أن هنالك صراعاً بينهم في ذكر جل انحرافات الطالب من ذكر أخطائه اللغوية والنحوية، والترتيب والتنسيق، ووزن الفصول من حيث الحجم، أضف إلى ذلك (فزلكات البعض من المناقشين) دونما التعرض لقضية علمية يقدم فيها المناقش فكرة جديدة للطالب تمنح رسالته جديدًا.. كما أجد صراعًا لكن ليس لأجل الطالب في مجمله، بل تجد بعضه لأجل التعبئة ضد المُشرف وتخطئته من جانب، لأن رؤيته للرسالة قدمتها للمناقشة على هذه الحالة... إلخ.
وتساءلت لماذا هذا المُناقش الذي حصل على نسخة من الرسالة سواء كانت رسالة ماجستير أو دكتوراه استلمها من قبل الطالب، لِم لم يُرسل تعديلاته إلى الطالب لتصحيحها، أو يجلس معه، ثم تكون المناقشة علمية لموضوعات الرسالة؛ كي تمنح الرسالة (جديدًا)، أم أنها التخطئة والنقد، والذي يرغب أخي الفاضل د. حسام صاحب الفكرة أن تُبصم وصمة عاره في مؤخرة الرسالة، تلك التي تحمل آراء قد يُختلف فيها من شخص لآخر. ناهيك عن كم من خطأ علمي صدره مُناقش ضد طالب وصمت الطالب إرضاءً للمُناقش اعتبارًا لمبدأ (وقت سيمر، وكلها ساعة استهزاء بالطالب ليس أكثر)...»
وردًا على ذلك قال أخي الفاضل: «أود أن أهمس لأخي الفاضل محمد جمعة عبد الهادي بأن النقد العلمي ليس وصمة عار... وأي عمل علمي كما يضم إيجابيات يضم كذلك سلبيات، والتقرير العلمي على الرسائل المفترض أن يضمهما معًا... ولكن طلاب زماننا هذا يضيقون بالنقد الذي يوجه إليهم ويودون لو محته الذاكرة، وفي الماضي كان الطلاب يرحبون بالنقد أيما ترحيب بل وينشرونه عندما يطبعون رسائلهم في كتب [قام بذلك على سبيل المثال أحمد البيلي في صدر كتابه (حياة صلاح الدين الأيوبي) إذ أدرج التقرير النقدي لمناقشه الشيخ عبد الوهاب النجار في صدر كتابه الذي كان في أصله رسالة الدكتوراه الخاصة به سنة 1920م]. أما الحديث عن وجوه النقد الشكلية التي يوجهها بعض المناقشين فإنه سيقضي عليها معرفة المناقش أن نقده للرسالة سيطبع كجزء منها وسيقرؤه كل مطلع عليها، فهذا الأمر سيجعله في نقده المكتوب لا يلتفت كثيرًا لمثل هذه الأمور حتى لا يُتهم هو بالسطحية وعدم مناقشة قضايا الرسالة الفعلية... إن فكرتي (أضغاث أحلام) لا تكشف الطالب وحده والمستوى العقلي والعلمي له بل تكشف كذلك مستوى الأساتذة المناقشين...إن الفكرة تضع كل طرف أمام مسئوليته التي ينبغي عليه القيام بها كما ذكر أخي د. أحمد العدوي. إن طالب العلم ومن يريد أن يكون من أهله عليه أن يؤمن بأنه طالما سلك هذا الطريق فإنه لا بد أن يتقبل النقد، بل وينشره بين الناس دون أي امتعاض أو إحساس بأنه وصمة عار في حقه... ومن ألف فقد استهدف كما يقول الأقدمون».(انتهى كلامه).
كان ردي على ذلك أن هنالك عوالق... منها قول د. أحمد العدوي أن هذا التقرير هو بمثابة (وثيقة رسمية تضع الجميع عند مسؤولياته)، فقلت: هو أيضاً وثيقة رسمية ضد الطالب وبداية تاريخه العلمي.. وتلاحظون أخي العزيز د.حسام في مُقدمة عرض الفكرة التي كتبتموها، تذكرون بالتحديد «وألا يكون من حق الطالب إجراء أية تعديلات على الرسالة طالما قدمها للمناقشة»، فهل تخرج الرسالة معيوبة، ومبصومة بتقرير ماسخ عن أداء الطالب - والذي لن يوافق عليه المشرف بالتأكيد وبلا ريب - لأنه أول من وافق على تقديم الرسالة للمناقشة بهذا الشكل.. وهل يصبح بادية تاريخ الطالب العلمي مبصومة بتقرير علمي موقع عليه مشرفون (ليس في مقدور الطالب مجابهته بأخطائه).
وتذكرون أيها الفضلاء الكرام، أن المناقش سيرتدع حينما يعلم أن تقريره العلمي (القيم أو غير القيم) سيطبع في نهاية الرسالة، والسؤال ذكرته وأكرره: هل في مقدور الطالب مناقشة لجنة المناقشة وتخطئتهم؟ الإجابة عندي: نعم وعند البعض: لا، ولكن كلينا ليس في مقدورنا فعل شيء لوضع التقرير العلمي الصحيح في نهاية الرسالة، وهو كما أنه سيكون إفادة بأخطاء سيكون إفادة بجهده البحثي الطيب كان أو السيئ. وفي النهاية هل يخرج تقرير علمي في حق الطالب كما ذكرتم، ثم يمنح درجة الماجستير أو الدكتور بامتياز رغم وجود تقرير معيب لما جاء فيها.. فكيف ذلك ولا يتفق ؟!
لقد كان رد د. أحمد العدوي حول ذلك بقوله: «الأخ العزيز محمد جمعة، لماذا تفترض أن النقد إشارة إلى النقص فحسب، النقد في الأخير تقييم يُعنى بذكر الإيجابيات والسلبيات. صدقني ما انحدرت الثقافة في مصر إلى هذا الدرك إلا لغياب النقد الهادف الذي يوقف الكاتب على فواته وهفواته. وتحول الجميع إلى أساتذة يجلون عن النقد ويضيقون ذرعاً به. ما نرنو إليه هو أن يجيد الطالب قدر طاقته. وأن يترفع الأستاذ عن تقديس الشكل. واعلم أن الكمال غاية لا تدرك. وأن الباحث الذي يضيق بالنقد الموضوعي لن يتقدم في حياته العلمية. وسيظل يكرر الأخطاء العلمية نفسها في قابل أعماله. أما ذلك الذي يعلم أنه طويلب علم يريد أن يتعلم فذاك الذي يدرك قيمة النقد.. وذاك الذي نعقد عليه الآمال».
فقلت: لقد تفهمت كلامك أخي الفاضل د. أحمد العدوي ولكن هنالك استطرادًا مهمًا فلو كان كلام أخي الفاضل د.حسام في جوهره يطبق على كتاب ثقافي سيتم نشره فليست هنالك أدنى مشكلة من وضعه، بل هنالك استمارات توضع في النهاية للمراسلة عن أخطاء بمحتوى الكتاب المنشور أو حتى قبل أن ينشر من خلال اللجنة العلمية بدار النشر ويمكن للمؤلف لو كان واثقاً من نفسه وأميناً أن ينشرها تباعاً وفق الطبعات وهذا أمر آخر عن موضوع النقد.. بينما (النقد من أجل النقد) يقدم التقرير جزءًا كبيرًا منه بنص صاحب الفكرة نفسها، أما لو كان النقد من أجل الإفادة للطالب ليقوم بالتصحيح فمرحبًا لكي يخرج عمله العلمي إلى النور مُكتملاً بما أبداه فلان وفلان فهذا هو المطلوب، بينما فكرة التقرير والتي تشرحها المقدمة ليس فيها ذلك.
والطالب هو الخاسر في النهاية أمام عمله العلمي المُصدر من جامعة علمية فبلا شك سيكون التقرير العلمي للرسائل العلمية شهادة تطلبها جهات بعينها للاطلاع على مستواه العلمي، والذي ريما يكون قد حُدد بالخطأ.. والله أعلم.. وهذا رأيي.
لقد قصدت عرض نصوص الحوار المكتوب كما هي دونما حذف ليتبين منها ما يتبين من أفكار عرضت ونقدت، بل يتضح في النهاية أنه يمكن أن يكون الطالب مستعداً لتطبيق هذه الفكرة «التقرير العلمي المنشور لرسائل الماجستير والدكتواره»، ولكن إذا أبدى الجميع الموافقة على إعداد ما يتطلبه التقرير من نواحٍ علمية وأكاديمية محترمة يُصاغ بها دونما أن تضيع الحقوق.
محمد جمعة عبد الهادي موسى - باحث ماجستير، فرع التاريخ الإسلامي، كلية الآداب - جامعة القاهرة