توجهت الأنظار صوب نتائج زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى الشرق الأوسط، والتي حطت رحالها في السعودية كأول محطة من هذه الجولة، والتي سوف يتبعها بزيارته لمصر وإيران، ومما يعطى دلالة وأهمية لهذه الزيارة كونها تعد أول زيارة رسمية للرئيس الصيني لمنطقة الشرق الأوسط منذ توليه منصبه في عام 2013م، وفي وقت يشهد فيه العالم حراكاً سياسياً قوياً وإعادة تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية والدولية.
وقد برهنت زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية على أن علاقة الصين بالمملكة العربية السعودية هي علاقة عميقة للغاية، ومما لا شك فيه أنه سيكون لهذه الزيارة انعكاسات إيجابية كثيرة من خلال العمل المشترك، حيث ستصبح العلاقات الثنائية أكثر صلابة وعمقاً، كما ستلعب الدولتان دوراً أكثر فعالية ونشاطاً في الشؤون الدولية والإقليمية.
إن علاقة الصين بالدول العربية عموماً علاقة مثالية، فالصين تؤيد دائماً الحقوق العربية بوصفها حقوقاً عادلة، فلا يستطيع أحد أن ينكر المواقف التاريخية الصينية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، كما أن علاقة الجمهورية الصينية بالمملكة العربية السعودية تمثل أنموذجاً متميزاً، فمبدأ الثقة بين البلدين جعل العلاقات بينهما متشعبة، وهذا كان له نتائجه في جميع المجالات، ففي المجال الاقتصادي منذ أن انخرطت الصين في الاقتصاد العالمي عام 1978م، وبدأت عملية الإصلاح والانفتاح، والنمو الاقتصادي السريع، اتضح لها بالفعل أن وصولها إلى الموارد المعدنية العالمية أمر جوهري في نجاحها المستقبلي، وبما أنّ قدرة الصين على تأمين احتياجاتها النفطية من أراضيها تعد محدودة عملت على تطوير علاقاتها وبشكل جيد بمنطقة الشرق الأوسط التي تستورد منها معظم مستلزماتها النفطية. ومن هذا المنطلق، أدركت الصين أن مفتاح الإستراتيجية الصينية لضمان الوصول إلى نفط الخليج هو العلاقات المميزة مع المملكة العربية السعودية، حيث شهدت العلاقات الثنائية تطوراً تدريجياً مع مرور الوقت.
وفي هذا الإطار، بدأ التعاون الثنائي الصيني-السعودي بالازدياد خاصة في مجال الطاقة، ووقعت الصين والسعودية اتفاق التعاون الإستـــراتيجي في عام 1999م، الذي اعتبر نقطة تحول في مجال التعاون النفطي. وفي الوقـــــت الحاضر، يبلغ ما يقرب من نصف احتياجات الصين النفطية من الشرق الأوسط، ويشكل النفط السعودي ¼ واردات الصين النفطية، كما أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن الصين سوف تصبح أكبر سوق عالمية مستهلكة للنفط مستقبلاً مما يعكس الفائدة المشتركة لتدعيم التعاون المثمر لكلا البلدين.
كما أن أعداد المشروعات المشتركة في إطار التعاون بين الصين والمملكة لا تقدر ولا تحصى في مجالات البنية التحتية والاستثمارات والأيدي العاملة والزراعة وغيرها، وتتوسع دائرتها باستمرار، والدليل على ذلك مشروع القطار الخفيف الذي أنجزته الشركة الصينية في مكة المكرمة لخدمة وتسهيل حركة الحجاج من مختلف أنحاء العالم، فالصين والمملكة العربية السعودية تجمعهما أواصل المحبة والصداقة والتعاون، وليس أدل على ذلك من موقف الملك عبد الله - رحمه الله - عندما استيقظت الصين على زلزال «سيتشوان المدمر» في مايو 2008م, حيث أمر حينها بتقديم المساعدات لشعب الصين والتي بلغت 80 مليون دولار، وهذا فيه دلالة واضحة على قوة العلاقة بين البلدين وما تكنه المملكة من تقدير واحترام للشعب الصيني.
ولا شك أن هذه العلاقات المزدهرة بين البلدين الصديقين تعكس رؤية إستراتيجية مشتركة، كما تعبر عن رغبة لتعميق العلاقات التاريخية بين شعب المملكة العربية السعودية وشعب جمهورية الصين الشعبية في جميع المجالات، بما يخدم المصالح العليا للبلدين الصديقين، فالعلاقات السعودية الصينية ينتظرها مستقبل مشرق وزاهر في ظل قيادتين حكيمتين تجمعهما الثقة وتفرش أرضيتهما المصالح والمنفعة المتبادلة للبلدين والشعبين الصديقين. ولا يخالجني شك في أن هذه العلاقات ستنمو بسرعة كبيرة في ظل وجود اهتمامات مشتركة وتفاهم وتوافق كبير بين البلدين.
- عبدالله بن علي الشائب