د.عبدالمحسن بن محمد الرشود
منذ أكثر من خمسين عاماً وأذنيَّ يشّنفهما سماع اسمه المصحوب بهيبة الإمارة.. بحل المشكلات، ومساعدة الآخرين.. كان اسماً مميزاً بين أبناء وبنات الرياض، وبين سكانها وأحيائها.. نراه في العرضة السعودية بالأسود والأبيض.. في التلفزيون.. وفي بعض اللقاءات التلفزيونية، والاستقبالات.. رجلاً أنيقاً طويلاً مهاباً.. ذا ابتسامة أخاذة.. إنه سلمان بن عبدالعزيز.. خادم الحرمين الشريفين.. كبرنا قليلاً.. وكبرت الرياض ومشاريعها، وطرقها وأنفاقها.. وخيراتها وجامعاتها.. فكنت من المحظيين بخيراتها علماً وابتعاثاً وتجربة.. عندما عزمت على رسالة الدكتوراه.. عن نظام المناطق والإدارة المحلية واختيار منطقة الرياض أنموذجاً للبحث الميداني من خلال أميرها ومجلس المنطقة والمحافظات الخمس المختارة عام 1414هـ تحديداً، جاءت الفرصة وتشرفت بلقاء سموه بمكتبه في إمارة منطقة الرياض وعلى انفراد.. شجَّعني ودعمني وأحسست أنه أبٌ آخر.
إن مقابلة الملك سلمان في حياة أي إنسان عايش الرياض وجهود هذا الإنسان العظيم لا يملك إلا أن يذهل من تواضعه الجمِّ وحنانه الكبير على الشباب والكبار والصغار على حد سواء.
ومن خلال مساهماتي الصحفية في جريدتي الجزيرة والوطن، تعرفت أكثر على سموه الكريم، من خلال ملاحظاته وتصويباته ودعمه الفكري والمعنوي، ونظرته الأبوية الحانية.. كانت الإمارة مقصداً - ولا زالت - لكثير من أبناء الرياض، ومحافظاتها ومراكزها وقراها.. يجلس لاستقبالهم سلمان كل يوم في بداية الدوام، وبعد صلاة الظهر.. ولكم حضرت تلك الاستقبالات وذهلت من سرعة قراءته للمعاريض وحلوله لكثير من المشكلات الرسمية والشخصية في دقائق معدودة.
ليس هذا المقال بقادر على رصد ما قدمه الملك سلمان للرياض عندما كان أميراً لها، تنموياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً وتاريخياً.. وليس المكان متسعاً لاستحضار المشاريع الكبرى التي حظيت بها الرياض على يديه، ولربما تطرق غيري لإبرازها وهي معروفة للجميع.
شاءت الإرادة الإلهية أن أكون من المداومين على حضور مجلس سموه في قصره العامر بالمعذر، وبحضور الأمسيات الجميلة التي تضم جميع أطياف المجتمع السعودي حاضرة وبادية ومثقفين وكتاباً ورجال العلم، والفكر والأدب والتاريخ.
كان مجلسه - أطال الله في عمره - عامراً بالمحبة والوفاء والسماحة، كان يمارس صفات الملوك فقد كان أميراً لمنطقة الرياض بعمله وكرمه وشجاعته وعطائه الجزل.
أحبَّ سلمان «الأيتام» والفقراء والمعوزين، ودعم مؤسسات الخير والصلاح، وجمعيات تحفيظ القرآن، وواصل علاقاته الإنسانية من خلال زياراته للعزاء والأفراح والأتراح لكل من عزمه ومن لم يعرفه.. متابعته الهاتفية للمرضى والمصابين وأصحاب الظروف الصعبة.
أذكر ذات يوم أنني كتبت مقالاً عن غيابه عن الرياض عندما كان مرافقاً لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز للعلاج - رحمه الله - وكان عنوان المقال «افتقدناك يا سلمان»، وكان يوم اثنين.. وعندما جاءت الساعة التاسعة مساءً إذا به يتِّصل بي - جزاه الله خيراً - ويشكرني على مشاعري ناحيته.
«سلمان» ذو عزم وحزم، تعامل مع الأوضاع السياسية المستجدة بما تقتضيه الظروف وواقع الحال، وأكد للعالم كله هيبة المملكة العربية السعودية وشجاعة رجالها وأبنائها وتكاتفهم في السراء والضراء.
في هذا العام الذي مضى حدثت تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية تسير بالمملكة إلى الأمام إن شاء الله.. وبات الإنسان السعودي محط اهتمام القادة في هذه البلاد، وما اختيار الملك سلمان للدماء الجديدة من أسرة آل سعود الكريمة ممثلاً في الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان - وفقهما الله - إلا دليل على بعد نظره - حفظه الله - ومحبته للتجديد والثقة في الشباب، ولعل كون الملك سلمان آخر من يحكم من أبناء الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - وانتقال الحكم لأبناء الأبناء في عهده إنما يمثِّل الختام المسك.. وبعث الروح الجديدة.. المتواكبة مع الأحدات المتسارعة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.. قرار شجاع كهذا لا يتخذه إلا العظماء الذين لهم رأي سديد.. حفظ الله جلالته وأطال في عمره وأمده بنصره إنه جواد كريم، وحفظ الله لنا الأميرين الجليلين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان وأبقاهما الله ذخراً لوطننا الحبيب.