كثير من الرحالة الأجانب الذين أتوا إلى الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي كان هدفهم البحث والاطلاع، أو القيام بمهام سرية، أو معلنة من قبل حكوماتهم تجاه هذه المنطقة (الجزيرة العربية) سواء بصفة رسمية، أو شخصية، وخاصة لمّا قامت الدولة السعودية الأولى (1157هـ)، وانتشرت الدعوة السلفية فيها، واستقر الأمن، والرخاء في أرجائها، ومن هنا نتناول الرحالة الفرنسي تشارلز هوبير (1837 - 1884م) حيث تميَّز عن غيره من الرحالة الأجانب كونه قدِم إلى شمال شبه الجزيرة العربية بثلاث رحلات من (1878 - 1884م)، وبتكليف من الجمعية الجغرافية الفرنسية، وكان مما نتج عن رحلته، العثور على حجر تيماء حيث وجده تشارلز هوبير سنة (1880م)، وكان بصحبته صديقه المستشرق الألماني جوليوس أو تينغ، واشترى هوبير حجر تيماء من حاكمها في ذلك الوقت، وقام بتدوين جميع النقوش، والكتابات التي عليه من نبطية، وأرامية حيث لم يسبقه أحد من الرحالة بهذا الاستكشاف حيث يعود عمره (الحجر) إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وتم تأمين إرسال الحجر إلى حائل، كما أنه واصل هدفه بمواصلة الأبحاث، ووضع خرائط للمنطقة، إضافة إلى ذلك، لم يغفل هوبير عن وصف مدينة تيماء وصفاً كاملاً من الأبنية، والزراعة، والآبار، والقبائل، وفروعها، ونجد هنا هوبير ليس ضليعاً باللغة العربية، حيث واجه صعوبات كبيرة في تسجيل أسماء كثيرة من الأماكن التي مرَّ بها بالمنطقة، مما اضطره الاستعانة بالسكان المحليين لتدوين تلك الأسماء وفق الصحة، وكانت هذه الأسماء بلهجة محلية، كما أنه استفاد من أبحاث الرحالة الأوروبيين الذين وصلوا إلى المنطقة أمثال (وليم بالفرين، وأروليخ سيتزن، لويس بركهارت، جورج أوغسطس، وغيرهم كثير) من الذين أبلوا بلاءً حسناً في وصف منطقة شمال ووسط شبه الجزيرة العربية، وكان تشارلز هوبير في هذه الرحلة التي انطلق بها من مدينة البصرة، حيث بدأ يزود القنصلية الفرنسية في مدينة جدة بجميع كتاباته، وتدويناته، واستكشافاته، وانطباعاته عن المدن التي مرَّ بها في رحلته هذه، رغم اعتراض الحكومة العثمانية على تلك الرحلة، حيث كان هوبير بحماية محمد بن راشد في ذلك الوقت، حيث أعقب هوبير رحلته هذه برحلة ثانية إلى المنطقة (1883م)؛ بهدف تأمين نقل حجر تيماء من حائل إلى فرنسا، وواصل أبحاثه الأثرية عن المنطقة، حيث انطلق من دمشق إلى حائل، وأمّن نقل الحجر، ثم عاد إلى مدينة جدة، وزوّدلقنصلية الفرنسية بجميع مدوناته الأخيرة، ومن ثم انطلق برحلة ثالثة من مدينة جدة إلى حائل في شهر يوليو (1884م)، ومن ثم أُسدل الستار على رحلة تشارلز هوبير الفرنسي، حيث اغتيل أثناء رحلته هذه بمدينة العلاء، وكان الهدف من الاغتيال هو الحصول على أسلحته، وأغراضه الثمينة تاركاً وراءه كنز من الآثار التي لا تقدر بثمن، وتم نقل حجر تيماء من حائل إلى فرنسا بعد عام من اغتياله، حيث يُعرض حالياً في متحف اللوفر بباريس، هذا جزء من رحلة هوبير الشاقة في منطقة شمال ووسط الجزيرة العربية. وبالله التوفيق.
** ** **
المرجع: تشارلز هوبير وثائق رحلة في الجزيرة العربية الوسطى (الجمعية الجغرافية الفرنسية)
ناصر بن إبراهيم الهزاع - الرياض - حرس الحدود