تركي بن رشود الشثري ">
داعش حركة تقوم على ركيزتين أولهما: التكفير والتقتيل، وثانيهما: بث الحياة الحالمة الواهمة بين أفرادها والمنتمين إليها أو المتعاطفين معها ولا تكاد تخطئ العين المحاولات الجادة لعرابي هذه الحركة في التركيز على مكامن الطموح الجامح والخيال الأخاذ في سماوات الأنفس المرهقة المهزومة المأزومة التي تبحث عن الفردوس المفقود فيتهافتون عليها تهافت الفراش على النار فما الذي تعطيه هذه الحركة لأتباعها ومعتنقي أفكارها، وقد سبق لنا القول في مقال سابق إنه سبقتنا أمم في هذه التجارب وقام فلاسفتهم بتحليل ووضع فرضيات لسبب انضمام الشباب لهذه الحركات نريد من خلال هذا المقال أن ننزل هذه الفرضيات على واقع داعش ونرى صدق تمثل داعش لهذه الفرضيات من عدمه، وقد أخذت هذه الفرضيات من كتب تناولت تلك الحقب والحركات منها (روح الاجتماع لغوستاف لوبون) و(المؤمن الصادق لإيريك هوفر) تعطيهم (التغيير).
يقول إيريك هوفر (الراضون عن أنفسهم يعدون هذا العالم طيباً ويحاولون المحافظة عليه، بينما المحبطون يفضلون التغيير الجذري).
إذا فشل الواثقون في التعامل مع الأمور العملية مشروع تجاري أو دراسات عليا شعروا بالقدرة على إدارة شؤون الأمة.
يقول ثورو (عندما يشكو المرء شيئاً يحول بينه وبين القيام بواجباته حتى عندما يجد ألماً في أمعائه فإنه يبادر إلى محاولة لإصلاح العالم).
وليسأل السائل هل كل التجمعات تعطي ما تعطيه الحركات الجماهيرية، ذكر إيريك هوفر الفرق بين الحركات الجماهيرية والمنظمات العملية (الأحزاب السياسية - النقابات - تجمعات المهن الحرة).
- العملية: تقدم لأتباعها فرصاً لتطوير الذات وبهذا تستمر.
- الجماهيرية: تقدم لأتباعها فرصة لمحو الذات وبهذا تستمر.
المحبط بحسب هوفر يرى أن المصلحة الذاتية شيء مشبوه وشرير لا يتسم بالنزاهة لأنهم يكرهون أنفسهم.
ومن صميم التغيير أن المحبط ينتقل من حركة لأخرى وينقل الولاء من حركة لأخرى ومن الأمثلة على ذلك شاؤول كاره المسيحيين تحول إلى بول المسيحي المتشدد كذلك هتلر يعد الشيوعيين الألمان أتباعاً محتملين للنازية، وقد عدد هوفر العديد من الأمثلة على ذلك.
وتعطيهم (الغضب)
الغضب المشتعل المستمر تقدمه الجماعة المتطرفة فهم بحاجة للمزيد منه وهكذا يتحولون إلى دمى في مسرح الجماعة، فالفرد في حاله لا يستطيع أن يقدم على الأفعال الدموية بعكس ما إذا انضوى تحت قيادة غاضبة وجموع تحفه وتغريه بالكثرة والبقاء والتمدد فإنه والحالة تلك يغضب ويغضب ويشتعل غضباً ويعود لأخلاقيات رجل الكهوف فهو منفعل ويعايش الآن شعورا وغداً شعورا مع هذه الجماعة المتطلعة المنفعلة التي تقتات على العواطف الملتهبة ولا تقيم للعقل والمنطق وسيرورة التاريخ قيمة فلذلك وهذه بشرى لا يستمرون ويتفككون وتتقاتل الأجنحة فيما بينها في وقت لاحق بعد وفاة القائد أو دخول أهل المصالح أو غير ذلك من الأسباب فيكفر بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً، نعم جماعة كهذه لا تستطيع الوجود بلا تقلب فلا إرادة مستمرة ولا تخطيط مستقيم فهي دائماً ما تتقلب نظراً لهمجيتها ومشاعرها المتقدة والبقاء والتمدد بحاجة للتفكير وكيف يفكرون وقد تعطلت لديهم ملكة التفكير، وخير شاهد على ذلك الانتحار الوجودي الذي أقدموا عليه من خلال تفجير المساجد.
وتعطيهم (الكراهية)
يرى هاين أن ما لا يمكن تحقيقه بالحب على الطريقة المسيحية يمكن تحقيقه بالكراهية الجماعية.
تستطيع الحركة بحسب هوفر أن تنتشر دون أن تؤمن بالله ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك دون الإيمان بالشيطان، ويمكن أن نقيس نجاح الحركة بمدى نجاحها في إيجاد شيطانها وتجسيده.
سئُل هتلر عمَّا إذا كان من الضروري إبادة اليهود قال: (كلا لو زال اليهود لكان علينا أن نخترعهم )، وعندما سأل فويجت أحد أعضاء البعثة اليابانية القادمين لبرلين لدراسة الحركة النازية عن رأيه في الحركة قال ( إنها رائعة أتمنى أن توجد حركة مشابهة في اليابان ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك لأنه لا يوجد لدينا يهود).
لذلك ارتكب أحد الجنرالات الصينيين خطأ فادحاً لما فشل في إيجاد عدو جديد بعد أن اختفى جيش الاحتلال الياباني في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتعطيهم (التقليد)
ومما يؤكده هوفر أنه لا يمكن أن تتلاحم المجموعة إلا بانتشار أنماط سلوكية متشابهة فالمحبط يريد التخلص من نفسه وهذه الرغبة تتحقق عن طريق:
- العثور على هوية جديدة.
- القضاء على التميز الفردي وإخفائه.
وكلا الهدفين يتحقق عن طريق التقليد، فهم يقلدون بعضهم البعض ويقلدون جلاديهم السابقين فقد مارست المسيحية في عنفوانها سلوك المسيح الدجال ومارس اليعاقبة في فرنسا كل شرور الطغيان الذي ثاروا عليه، وحقق السوفييت كل ما يمكن أن يحققه الاحتكار الرأسمالي وطبق هتلر بروتوكولات حكماء صهيون، ومن المفزع أن نلحظ كيف يعمد المظلومون دوماً إلى صياغة أنفسهم على شكل ظالميهم وهذا متجسد تماماً في داعش من انتشار أشكال وكلمات وشعارات وأناشيد بينهم وتسري كما يسري الكهرباء في مفاصل البناية الواحدة.
وتعطيهم (العمل)
فالانغماس في العمل عامل توحيد وكثير من المنضمين لداعش يبحثون عن الكدح والعمل المثير الدائم فالعمل شفاء لأمراض المحبطين فهو ينسيهم أنفسهم ويمنحهم شعوراً بالأهمية، لذلك هتلر استغل الجمود الذي حاق بالأمة الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى وهي أمة عاملة فمنح الألمان فرصة للعمل الدأب المثير عن طريق الحرة فاعتبروه منقذاً، وحتى المشية العسكرية عنصر توحيد وقد استغلتها النازية فقد كان روشننج يرى أن هذه الطوابير العسكرية التي لا نهاية لها مضيعة للوقت والجهد إلا إنه أدرك فيما بعد تأثيرها الخفي (المشي في الطابور العسكري يتطلب التركيز التام ويقتل التفكير ويقضي على الفردية) روح الفريق صعبة على المفكرين بخلاف ولكنها رائعة وممتعة لأصحاب العواطف المشتعلة، ومن أراد التوسع في فلينظر (المؤمن الصادق).