الإصلاحات الجديدة في هيكل الاقتصاد الوطني تنأى بالمملكة عن مخاطر الأزمات العالمية ">
الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
لا صوت يعلو فوق سعر النفط بالعالم .. الآن ونحن نتحدث عن مستوى الـ 30 دولارا للبرميل توشك التقارير العالمية أن توصف الوضع ببدء أزمة اقتصادية عالمية جديدة .. تبدأ هذه الأزمة بمظاهر تراجعات حادة في غالبية البورصات العالمية .. وتتجه كافة الأنظار الآن للصين كمتسبب رئيسي في التراجعات والتدهور الحاد في الأسواق المالية والاقتصادية العالمية.
وحتى الآن لا يعلم أحد من المتسبب في هذه الأزمة هل أن معدل النمو الاقتصادي المتدهور للصين (ثاني أكبر اقتصاد مستورد للنفط بالعالم) تسبب في تراجع أسعار النفط؟ أم أن تراجع أسعار النفط هو الذي قاد تراجعات البورصات العالمية .. إنها حلقات متسلسلة تسير من أسوأ إلى أسوأ بالصين .. فتراجع البورصة ثم تراجع الصادرات ثم انسحاب الاستثمارات من الصين.. وتشير بعض التقارير الاقتصادية الحديثة إلى احتمالات ترجح انفجار فقاعة الاقتصاد الصيني وبالتالي يجر العالم الى أزمة اقتصادية عالمية.. والبعض يؤكد على مدى التشابه بين الوضع الحالي وبين ما حدث في عام 2008، حينما أدّى انهيار بنك «ليمان براذرز» إلى أزمة مالية عالمية.
الأمر المستغرب أن معدل النمو الاقتصادي بالصين تراجع من 7% إلى 6% فقط، وهي نسبة ضئيلة لا يعقل أن تتسبب في كل هذه الأزمات.. إلا أن التقارير تتحدث عن تأثير نفسي أكثر منه حقيقي تسبب في خروج الاستثمارات الأجنبية من الصين خاصة الأمريكية منها، حيث يشير تقرير بلومبرج إلى انسحاب استثمارات من الصين بنحو 142 مليار دولار خلال ثلاثة شهور فقط، ليصل إجمالي الاستثمارات التي خرجت من الصين خلال الشهور خمسة شهور إلى 520 مليار دولار.. ويعتقد البعض أن اختفاء هذه الاستثمارات يكشف السوق الصيني عن مستوياته القديمة.
الأمر الأخطر هو توقعات الكثير من التقارير حول صعوبة تجاوز معدل النمو الصيني لمستوى 6.5% هذا العام.
وقد فاجأت الصين العالم بتخفيض جديد في عملتها بنسبة 0.5%، وهي أكبر خفض يومي منذ أغسطس الماضي، ليصبح اليوان عند أدنى مستوى منذ حوالي خمس سنوات، ما أدى إلى هبوط الأسهم الآسيوية إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر. وقد تم تعليق تداول الأسهم الصينية الأسبوع الماضي للمرة الثانية، بعد أن تجاوزت الخسائر 7%.
أضف إلى ذلك الإفصاح المقلق لوزارة الخزانة بالولايات المتحدة الأمريكية.. عن عجز بنحو 14 مليار دولار في ميزانية الحكومة الاتحادية خلال شهر ديسمبر، مقارنة مع فائض بلغ ملياري دولار في الشهر نفسه قبل عام. ووفقاً لبيان الوزارة الشهري بشأن الميزانية بلغ العجز في الشهور الثلاثة الأولى من السنة المالية الحالية التي بدأت في أول أكتوبر 216 مليار دولار.
احتمالات تدويل الأزمة العالمية.. الأزمة العالمية ترتبط مخاوفها في منطقة الخليج فقط بتراجعات أسعار النفط.. وفي المملكة تكون قد احتوت تداعياتها في موازنتها الجديدة بتقبلها لعجز كبير.. أي أنه على المدى القصير لا يلوح في الأفق مخاوف كبيرة.. وتتركز هذه المخاوف في استمرار هذا الوضع المتدهور عالمياً وخاصة لمعدلات النمو للقارة الصينية على نحوها الحالي.. فالصين بلا استثمارات إضافية ومن ثم بلا طلب إنتاجي عال وبلا صادرات أعلى.. تعني أنها في طريقها لطلب أقل على النفط ومن ثم يمكن أن تتسبب في اضطراب البورصات العالمية التي تتخوف من تفاقم الوضع وتحولها من أزمة صينية إلى أزمة عامة.
المملكة في منأى عن مخاطر الأزمات العالمية بكفاءة الانفاق.. إن الحل الجذري هو ما تبنته الحكومة السعودية وما ظهر في موازنتها للعام الجديد من الاعتماد على إصلاحات اقتصادية حقيقية تنأى باقتصادها عن واقع المورد النفطي الأوحد.. لذلك، فالبعض يتحدث عن قدرة الاقتصاد الوطني على التحمل لمدة عامين وعن إمكانية وجود صعوبات بعد عام 2017م.. إلا أن واقع تطبيق ونجاح هذه الإصلاحات يؤكد أن المملكة لن تكون في مرمى الخطر حال تم تنفيذ هذه الإصلاحات.. فالانفاق الحكومي مصدر الخوف حسب القرارات الأخيرة لن يكون مطلوباً في الموازنات المقبلة .. وبالتالي تكون المملكة قد انتهت من مصادر القلق في نفقاتها، وما يمكن أن يحمله غياب الأسعار المرتفعة للنفط مستقبلاً.