الكتابة الغاضبة ">
خصت الروائية البريطانية فرجينيا وولف الكاتبة بمفاهيم متعددة دعتني إلى تدبر كتاب (غرفة فرجينيا وولف- دراسة في كتابة النساء) الذي ترجمه إلى العربية الكاتب رضا ظاهر . والغضب أحد تلك المفاهيم التي أشارت إليها وولف من حيث علاقتها بالكاتبة بشكل خاص .فمفهوم الغضب لدى الكاتبة - مفهوم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرة المجتمع إليها ونظرة الرجل أيضاً باعتبار استقلاليته النوعية والفكرية وموقفه من المرأة وفكرها.
وغضب الكاتبة من عدمه هونتيجة طبيعية تعبربها الكاتبة عن موقف المجتمع من الكاتبة وتبعاً لموقفه يحدث انفعالها بناءً على نظرة المجتمع للمرأة ووعيها وهناك ارتباط بينهما و النظرة الدونية التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة تحدث بين الكاتبة والمجتمع وتورث النقمة وقطيعة المجتمع المتخلف الذي لايحترم وعيها، وتحرض الكاتبة على التمرد على المجتمع و تقبيح صورته وفضح سلطة المجتمع على الأفراد تفرض توجهاتها وتعاملها وعلى الكاتبة كشف قصور المجتمع واستثماره مادة للسخرية بل: (وفي مقابل اعتبار الغضب سمة لكتابة المرأة يدلل عدم غضبها على احتواء الثقافة السائدة كتابتها: (لقد عرّفت معظم الباحثات النسويات الغضب باعتباره الصيغة المميزة لكتابة النساء، وإذا لم تكن المرأة غاضبة في كتابتها فذلك يعني، بالنسبة لهن، إن قيم الثقافة السائدة قد احتوتها. غير أن هذا التعميم ينطوي على خطر إقصاء من تخلو كتابتهن من الغضب. ولكن هل أن هذا التأكيد على الغضب باعتباره العنصر المحدد للكتابة النسوية التاريخية هو حقاً إعادة نظر في الماضي الأدبي تخلق الإحساس بالشراكة الأدبية والتقليد الأدبي للكاتبات؟). وتجادل جين ماركوس هذه الفكرة في كتابها (الفن والغضب) . وتفضل ماركوس المسودات الأولى الغاضبة لكتابات وولف على النسخ المنشورة الأكثر استرضاءً، وتجادل لصالح الروح القتالية غير المساومة في كتابات النساء. وهي لا ترى صراعاً بين الفن والغضب، وتعامل المسألة برمتها باعتبارها خالية من الإشكالية ما إن تتخذ الكاتبة قرار التعبير عن نفسها: (الغضب في الفن ليس لعنة، وإنما مصدر أساسي للطاقة الإبداعية. إن الغضب المكبوت يحجب قلوب الشاعرات والناقدات، فلماذا لا يتخلصن منه كما قالت فرجينيا وولف؟ ولماذا ينتظرن حتى الشيخوخة ليلفظن حصتهن المتراكمة من الغضب؟ لا حاجة بنا إلى دفن سخطنا، وتحويله ضد أنفسنا).
وفي دراستها الصعوبات التي تواجه الكاتبات تدعو ديل سبندر إلى الحذر الشديد. فالواقع المهيمن يريد منهن قبول (حقيقة) أنه من الصعب عليهن أن يكتبن لأنهن (تابعات)، وليس لأنهن نساء حرمن من إنتاج الأشكال الثقافية، وأنهن بلا صوت، ومرغمات على الصمت. هناك ، إذن، عائقان، وعلى النساء أن يرفضن شرعية العائق الأول ويتغلبن على المشكلات التي يطرحها الثاني.
وبرؤية خاصة فالكتابة الغاضبة التي احتشد بها إبداع المرأة السعودية ونتاجها الفكري يعتبر نتيجة فطرية حتمية لأزلية الموقف الاجتماعي السلبي من ذاتها وطاقاتها وقدراتها وهو لا يعمل على تمكينها أو رعايتها أو يشجعها للتعبير عن ذاتها وأفكارها وتنمية ثقافتها. وبنظرة واقعية إلى مجتمعنا فكتابة المبدعة السعودية لفكرها الغاضب تعبير صادق من جانبها عن ما تعيشه في واقعها الاجتماعي ولا تشهد معه أي مظهر للتغيير الفعلي في السلوك الفردي والتربية الاجتماعية ونظرتها نحو المرأة. وقد كثر تعبير الكاتبات السعوديات الجديدات عن ذلك الغضب بصورة متعددة وجريئة من خلال كتاباتهن في وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال ما طبع من نتاج أدبي مؤخراً. وهي محاولات لمعالجة هذا الخلل في النظرة المتوارثة اجتماعياً إلى المرأة بشكل عام.
- هدى الدغفق