ليس صديقك..! ">
عندما تمرّ بنا السنوات سيتساقط منّا الأصدقاء كأوراق الخريف.
بعدها - أو ربما خلالها - سنكون أكثر نضجًا, وذكاءً في منح المنازل من جديد.
وإذا كانت الصداقة في أول سني العمر هي شمسنا التي لا تغيب, ولا تُخلق معها العتمة.. إذا كانت هي الثمار التي تحصد في أوانها, ولا تحتاج للزمن لتثمر؛ فإنّها - ولأسباب عدة - قد لا تكون كما رأيناها سابقًا!
أصدقاء الماضي الذين أخذت بيدهم الظروف, وسلمتهم للغياب، بعضهم رحل بلا عنوان, وبعضهم عنون لرحيله.
لعلك وقفت يومها حزينًا متسائلاً: أين هم؟!
ولعلك الآن تتعجب من حزنك ذاك: أكان الأمر يستحق؟!
الزمن كفيلٌ بأن يمنحك الدروس, التي تتمخض عنها تجاربك؛ ليخبرك بأنّه:
ليس صديقك - بل ربما عدوك الذي تزيّا بزي صديق! -
مَن يخبر بنجاحاته كلَّ النّاس عداك؛ لأنّك تمتلكُ ما يملك, ويخشى أنْ تتفوق عليه.
ليس صديقك مَن يوهمك بأنّه ما زال على عتبات الأشياء بينما هو قد قطع أشواطًا, لا يريد أن تعلم بها؛ حتى لا تلحق به.
ليس صديقك مَن يسرق مِنك كلَّ يومك بمكالمات هشّة, يخفى عمقها عنك؛ ليعرف عنك كلَّ شيء في حينه, ويحترز منه, ويحتاط له.
ليس صديقك مَن يتجاهلك أمام الآخرين, بينما هو يخطب ودك كُلّما انفرد بك.
ليس صديقك مَن تتحدث عنه بـ(نحن)، ويُصرُّ هو على أن يتحدث بـ(أنا).
ليس صديقك مَن يسطو على أسرارٍ قُلتها له من ثقة, وراح يثرثر بها من دناءة.
ليس صديقك مَن يبتعد كُلّما أحرزتَ نجاحًا؛ لأنّه لم يحتمل تفوقك.
ليس صديقك مَن يتوارى عنك وقت الشدائد, ويحضر وقت الرخاء.
ليس صديقك مَن يتذلل للآخرين بعد أن أخطأ في حقك؛ ليكسبهم لصفه بكذب, وتلفيق؛ حتى لا تتشوه صورته.
ليس صديقك مَن يأخذ منك رؤوس الحقائق؛ ليلفق حولها القصص المختَلَقة, ويُذيعها باسمك.
ليس صديقك مَن يؤذي الآخرين من خلف ستار, ويُمثِّلُ أمامهم دور الحمل الوديع.
الصديق الذي لا تكون (صاده) صِدقًا, وداله (دمًا) يسري في عروقك, و(ياؤهُ) يدك التي تعينك, و(قافه) قلبك الذي ينبض.. لا يستحق أن يكون صديقًا.
أمثال هذا: هم مَن ستضمن ديمومة نبض قلوبهم معك حزنًا, وفرحًا.
ستجدهم يغوصون في الغياب، ولا يظهرون إلا في أحلك ظروفك قسوة.
يشعرون بك رغم البُعد, يرسلون لك وسط حزنك, ومع أول نزول المصاب: هل أنت بخير؟!
هؤلاء لم يطلعوا على الغيب, ولم يأتهم مَلَك.
إنهم تلك الأرواح التي قال عنها نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف».
إذا رزقك الله بروح من هذه الأرواح, تسرقها الأيام, وتعود لك في أحلك ظروفك.. فحافِظ عليها!
إنّها الروح التي تمتزج بروحك بصدق.
إنّها الروح التي تستحق أن تحظى بمنزلة الصديق.
- د. زكية العتيبي
Zakyah11@gmail.com