نايف بن حريمس الشملاني ">
صدر المرسوم الملكي بتاريخ 1435/10/4 هـ القاضي بالموافقة على نظام المجالس البلدية بشكله الجديد الذي يشتمل على 19 مادة موزعة على 12 فصلاً. أتى ليواكب متطلبات العصر وما يَخصُّ ويتعلقُ بخدمة المواطنين في شتى المجالات، وأنا هنا لستُ بصدد الحديث عن الآليات والإجراءات المتبعة في نظام هذا المرسوم، وكذلك ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في الناخب، فقد أصدرت اللجنة العامة للانتخابات البلدية عدداً من المطويات التي استهدفت الناخب والمرشح واختصاصات وصلاحيات تلك المجالس، ومن أراد الاستزادة فليراجعها.
حديثي اليوم أيُّها الاخوة عن ظاهرتين تفشت وعلت في مجتمعنا على اتساع مساحته، وهي تتعلق بالاحتفالات التي تُقام من أجل فوز المرشح لتلك الانتخابات، فإليكم شيئاً منها:
الأولى: الإسراف والتبذير في صُنع الأطعمة الكثيرة وليتَ هذه الأطعمة يجلسُ عليها الفقراء والمُحتاجين، وكذلك الحالُ في إنفاق الأموال الطائلة في غير طُرُقِّها وكُلُ ذلك أو بعضه من أجل التباهي والتفاخر الذي نهى الله عنه في كتابه العزيز قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (27) سورة الإسراء.
وهذا الذي يفعلونه والله هو عينُ التبذير، ومن أسباب الهلاك ومحق البركات وزوال النعم فلا حول ولا قوة إلَّا بالله، وأيضاً هو من عادات الجاهلية المقيتة وإحياءً لها فقد كانوا في جاهليتهم ينحرون الإبلَ ويصنعون الأطعمة الكثيرة ويتفاخرون في ذلك ويذكرونَ ذلك في أشعارهم تمجيداً لها.
ولا أحد يظُنُّ أني ضِدُّ كُلِّ ما من شأنه دعوة الناس إلى الخير واجتماعهم عليه، فالخيرُ ما جاء بهِ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - وعمِلَ به أصحابُهُ من بعده وأوصانا به، فأقول ما قاله الشاعر ابن الوردي:
بَينَ تبذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ
وكِلاَ هَذينِ إنْ زادَ قَتَلْ
الظاهرة الثانية: لا تَقِلُّ أهميةً عن سابقتها ألا وهي ظاهرة (التعصب القبلي)، فقد بعث الله نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في أُمةٍ متناحرةٍ فاستطاع بتوفيق الله أن يُؤلِّفَ بينهم ويربطَ بين قلوبهم برابط الإيمان وليس برابط تعصب الإِنسان لقبيلته أو لنسبه، واليوم للأسف نرى هذا التعصب مُشاهد خصوصاً مع ظهور وسائل إعلام مُتعددة ساعدت على إذكاء هذه الظاهرة وأصبحت تُغذِّي هذا في أوساط الناس على اختلاف مشاربهم، واستجابَ لها القوم فعَمِدوا إلى رفع الشعارات في الأماكن العامة والميادين تخليداً لذكرِ أسماء قبائلهم.
فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أخبر أنه جعلنا شعوباً وقبائلَ من أجل التعارف وليس من أجل التفاخر في العصبية القبلية.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - أُسوةٌ وقدوةٌ حيث ذم تعصب الإِنسان لقبيلته وعشيرته: عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلَّم - : «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أو يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» وفيه أيضاً: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». رواه مسلم في صحيحه.
وفي نهاية مقالي هذا أدعو من هذا المنبر المقروء عُقلاء القبائل ورؤساءهم إلى التصدي لتلك الظاهرتين المذكورتين أعلاه، وحث الناس وتحذيرهم من الآثار والنتائج المترتبة عليهما.
وبعد أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لهذه البلاد قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ويوفقه ونائبيه إلى كل خير وأن ينصر جنودنا المرابطين على الثغور، ويحفظهم بحفظه ويهزم جند الباطل في كل مكان.
- عرعر