الجوع وحده من يجعل مسعود «الأغبر» يفكر في طريقة تجلب له مؤنة منزله الذي يضج بالأطفال المتدثرين بمخمصة الوقت والبائتين في عراء السقم... كان لمسعود الأغبر ماضيا أغبر وكئيب في كل ليلة، ومع تلاشي الشمس خلف قمم جبال قريتي الصغيرة، يقوم مسعود برش الرماد على جسده ليعطيه لونا رماديا ويقوم بإبعاد كل ما يستر جسده الممتلئ بالدمامل.
يلتقط مسعود قطعة قماش من مدخل بيته الصغير، ييمم وجهه تجاه المقابر التي تتصدر قريتنا، وتقبع على الطريق إلى السوق الوقت ليلا، الناس يحملون بضائعهم عائدين لمنازلهم، عيضه يمسك يد حفيده، ويحمل في يده الثانية كيسا به كمية من الخبز، مسعود يحشر نفسه داخل القبر المفتوح، يضبط تردد سمعه على الحركة وعلى طرق أقدام أهل القرية، وينتبه لدواب الأرض التي من الممكن أن تشل حركته وتنهشه علي الفارع.
يدخل من أقصى القرية، معه خروف كان قد ابتاعه، وصندوق شاي وبيده فأس يهش به على كل ما يصادفه في الطريق، يوجه الفارع تحيته للموتى، يرفع صوته بالسلام، يشق مسعود الأرض، يرد التحية بـ»وعليكم السلام» لو تنبه مسعود بأن الداخل علي لما خرج من قبره كان مسعود يود تسديد جملة خوف لقلب علي، لأن كل من سبقوه كانوا يرتعبون بمجرد العبور..
وبمجرد التفكير بأن الأموات قد عادوا أحياء مجدداً... يطارد علي مسعود، وينقلب الخوف على مسعود ليكرر السيناريو الليلة المقبلة، لعله يظفر بأي شيء يسد شقوق الجوع في منزله.
- إبراهيم الحارثي