بلا.. عنوان ">
رنين الهاتف الخلوي على الأريكة يشتت تركيزي في كتابة القصة التي أنوي تحويل أحداثها إلى لغة تتصفحها الأعين.. أهمُّ بالنهوض لإغلاق هذا المزعج..
لكن توقفه المفاجئ وفّر علي مغادرة كرسيي غير الوثير والأثير، الذي تتعالى أصواته مع حركات القلم حين يتحد مع المشاعر التي تتطلب عنفًا في سيره على الصفحة، وبين الأسطر..
هذه الليلة تنصلت من كل مواعيدي، وارتباطاتي، لإخلاء ذاكرتي من الأحداث والأشخاص الذين يسكنونها منذ فترة في قصة متخيلة في تفاصيلها وشخوصها، وهي جاهزة الحبك، والتوصيف الدقيق لمجرياتها، إلا أن الوقت لم يحن بعد ليتم تحويل هذه المشاهد على الورق، وتحريك الأبطال، والسير بهم على الأسطر، واستنطاقهم بلغة مكتوبة..
وحدي في مكتبتي المنزلية.. وأمامي كأس الشاي الذي أعدته لي ابنتي قبل أن تخلد للنوم..
أنا وقلمي وأوراقي، وهناك هاتفي البعيد عني، وضعته متعمدًا على الأريكة؛ لأنني أعرف أنه سيسرق انتباهي، ويشتت ذهني، ويؤخر قراءتكم للقصة التي أنوي روايتها وتحبيرها..
قبل أيام شعرت بأن أشخاصًا سكنوا ذاكرتي، وبدؤوا باحتلالها واستحلالها.. يعيشون فيها بكل تلقائية، ويمارسون طقوسهم بكل براءة، وكأنهم لم يحتلوا مكانًا ليس ملكًا لهم، ولا استوطنوا مقرًا هو لغيرهم..
ومن يومها وأنا أحدّث نفسي بكتابة هذه الأحداث، والتخلص من هذه الشخوص التي تستوطنني، وتربك ذاكرتي..
أنا في هذا الوقت المتأخر من هزيع الليل، أزجي الزمن وحدي، وأستعد لعملية إجهاض هؤلاء المتعايشين مع ذاكرتي منذ برهة من الزمن؛ ما جعلهم يسرقون تركيزي واهتماماتي، وحتى وقتي الذي أزجيه في احتياجاتي الخاصة..
قلمي بيدي..
وأوراق مُسَطَّرَة على طاولتي.. ومشاهد أراها تتحرك أمامي..
باسم الله (أقولها خافتة داخلي)، وأبدأ بالتحبير:
(كنت قد قرأت عن الجن إن استحلوا منزلًا، واستأثروا بزواياه، وسقوفه..
ولم أكن أعلم أن قبيلة الجن تفعل ما يفعله المحتلون لرأسي..
أوقفوا كل أحداثي الطبيعية؛ لأعيش تفاصيل حياتهم..
حتى في المنام لا ينفك إزعاجهم..
شيخهم الحكيم أشبه بمن صورته لنا المسلسلات التاريخية. يستوي على أريكة في مجلسه الذي لا يغادره..
والأم تتردد على هذا الشيخ الهرم؛ لتطعمه، وتؤدي له فروض الطاعة والولاء..
والصغار لا تسألوا عن الصغار)..
فجأة..!!
صرير الباب الموارب يسرق تركيزي، ويوقف سيل تسلسل الأحداث التي بدأت تنساب على الصفحة..
أرفع القلم عن الورقة..
ومعها أرفع رأسي..
إنها ابنتي (لم تنم)..!!
تسألني إن كنت أريد شيئًا قبل أن تنام..
لا.. (كان جوابي)
و..
هاأنا أعود لذاكرتي لاستكمال مشاهد قصة المزعجين..
ولكن..
لم أجدهم..!!
أين ذهبوا..؟؟
يبدو أنهم شعروا بتطفلي عليهم، وسمعوا صوت قلمي يدوِّن حياتهم،
فــ.. هربوا..
علي بن عبدالله الجدعي - الرس - 1437هـ