برنامج التحول الوطني «المملكة 2020».. رؤية جريئة نحو إصلاح اقتصادي ">
الجزيرة - محمد السلامة:
ترقب الأوساط الاقتصادية والاجتماعية في المملكة باهتمام الإعلان رسمياً عن مكونات برنامج التحول الوطني الحكومي، والذي يعمل على إعداده مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وذلك عقب المناقشات التي خرجت مؤخراً عن أبرز أولويات الخطة المقترحة لهذا البرنامج وآليات تنفيذه، والذي يسعى إلى إدخال إصلاحات استراتيجية على منظومات عدة في البلاد تحت مظلة «رؤية المملكة 2020».
وبحسب ورشة عمل عقدت مؤخراً في الرياض وشهدت حضور نخبة من شرائح المجتمع المتنوعة في المملكة لمناقشة خطة برنامج التحول الوطني، في خطوة تهدف إلى زيادة رفاهية المواطن ومضاعفة قدرات الاقتصاد الوطني في مختلف جوانبه، فإن البلاد ستشهد إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، ووجود مؤشرات لقياس الأداء الحكومي، والرقابة الصارمة على الصرف، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم لطرح مبادرات تنموية وخدمية شاملة من شأنها تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني، ومضاعفة قدراته، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتيسير أعمال القطاع العام والخاص، وتحقيق رضا المواطنين. حيث ضعت استراتيجية المملكة 2020 في مقدمة أولوياتها تمكين الإبداع وإنتاجية المجتمع، رفع مستوى الدخل المعيشي، وتطوير شبكات الرعاية والأمان المجتمعي. فيما تركزت الاستراتيجية في الشأن الاقتصادي على تفعيل دور القطاع الخاص، دعم التنافسية والخصخصة والإنتاجية، تعميق التنويع الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار النقدي. أما فيما يتعلق بالإدارة الحكومية، فيهدف البرنامج إلى ترسيخ مبادئ الشفافية وتحديد المسؤولية وحفظ الحقوق، تحسين فعالية الأداء الحكومي، ورفع الكفاءة والإنتاجية وجودة الخدمات.
وفي تعليق لاقتصاديين حضروا ورشة عمل مناقشة خطة برنامج التحول الوطني، أكدوا أنهم وجدوا خلالها إصلاحاً اقتصادياً تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يهدف للتحول إلى اقتصاد منتج ومتنوع، لا يعتمد على النفط، لافتين إلى أن هذا الإصلاح الاقتصادي التاريخي المرتقب يتضمن رؤية جريئة للتعامل مع جميع القضايا التي تهم المواطنين من اقتصاد وصحة وتعليم وتدريب وإسكان ونقل ورقابة وفساد.. إلخ، والأهم أنه لا يستهدف المواطنين اليوم فقط بل يستهدف المواطنين وأبناءهم وأحفادهم.
وقالوا إننا خلال هذا العام على موعد مع تنفيذ خطة «المملكة 2020»، التي تمثل أولى خطط برنامج التحول الوطني، والتي تشمل مجموعة من الأهداف والمبادرات الطموحة جداً؛ وذلك لإصلاح أخطاء جوهرية أو هيكلية في عدد من القطاعات الاقتصادية بالمملكة، مشيرين إلى أن هذا الإصلاح على المدى القصير قد يفيد مواطنين وقد يضر آخرين، إلا أنه على المدى الطويل سيفيد جميع المواطنين دون استثناء، وقد يكون أفضل مثال على ذلك فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، أو تقليص الدعم على أسعار الطاقة والكهرباء والماء، أو فرض الضرائب على السلع الكمالية والضارة دون المساس بالسلع الأساسية. وتابعوا: يجب أن ندرك أننا أمام فرصة تاريخية للإصلاح الاقتصادي الحقيقي لمعالجة مشكلات متراكمة منذ زمن طويل دون أي حلول ناجعة حتى الآن، وهذا بالطبع سيتطلب من جميع المواطنين أن يتعاونوا لإنجاح هذا الإصلاح الاقتصادي التاريخي بأي شكل من الأشكال؛ لأنهم سيكونون هم المستفيد الأكبر من هذا الإصلاح على المدى الطويل.
وبين الاقتصاديون أن البرنامج سيسهم في تغيير الدور الحكومي من مولد للإيرادات إلى تسهيل الإجراءات للقطاع الخاص حتى تتاح له فرص واسعة للاستثمار، حيث ستركز الحكومة على تدريب وتأهيل الكوادر البشرية لتتناسب مع احتياجات سوق العمل ولتكون ركيزة بالنمو المستدام، من خلال تقليص الاعتماد على العمالة الوافدة، إضافة إلى التحول بالإجراءات الحكومية لتكون إلكترونية وشفافة بنطاق كبير جداً يقلص من المعاملات ويقلل الهدر ويحاصر الفساد ويضبط الأداء العام. مؤكدين في هذا الصدد أهمية أن يتحول دور القطاع الخاص ليكون شريكاً حقيقياً بالتنمية يعتمد على قدراته وأدائه واستثماراته، بدلاً من انتظار الإنفاق الحكومي كي يجد فرصاً للاستثمار، بينما يتراجع أداؤه بمجرد تقليص الإنفاق الحكومي، وفي الوقت ذاته فإن الفرصة كبيرة أمامه لكي يتوسع بالإنتاج وتقديم الخدمات بدلاً من الاستيراد لها في ظل ما سيتيحه البرنامج المرتقب له من فرص في القطاعات المستهدفة بالبرنامج بقطاعات صناعية وخدمية، فالقطاع الخاص بات مطالباً بأن يتحول إلى قطاع يعتمد ذاتياً على تطوير أدائه واستثمار الفرص، وأن لا ينتظر بقاء الدعم والتحفيز كي يحقق أرباحاً إضافية منها، فالمستقبل يعني اعتماد القطاع الخاص على التقنية والوسائل التشغيلية الحديثة بدلاً من الزيادة بالعمالة الرخيصة. وتابعوا «أما الفرد فسيكون بكل تأكيد هو ركيزة نجاح برنامج التحول، لأنه مطالب بالاستفادة من فرص التدريب والتعليم التي ستوفر له كي يكون منافساً على الفرص الوظيفية والاستثمارية التي ستتاح مستقبلاً، وهذا يعني أن تعزيز ثقافة العمل باتت هي جوهر انطلاقته نحو المستقبل، ولابد من التركيز على دور قطاع التعليم بمساعدة الشباب والشابات على تنمية مواهبهم لتحديد خياراتهم بالتعليم والتدريب حتى يتمكنوا من النجاح بأعمالهم».
وخلص الاقتصاديون بالتأكيد على أن برنامج التحول الوطني مشروع جبار وضخم والجميع شركاء به، ولا يمكن أن ينجح إلا بجهود متوازنة ومخلصة من كل الأطراف، ولن تكون التحديات بسيطة، فثقافة المجتمع ارتكزت لعقود على دور حكومي واسع بإدارة الاقتصاد والخدمات، والانتقال لاقتصاد السوق الحر ليس بالأمر البسيط، ولابد أن تأخذ بعض أهدافه حقها الزمني الذي لا يمكن اختزاله خصوصاً بما اعتاد عليه الفرد واعتبره من المسلّمات بتوجهات حياته المهنية والمعيشية، فهي عوامل ثقافية ستحتاج إلى أجيال حتى تتغير، وبالتأكيد لابد أن يكون البرنامج قد راعى العامل الاجتماعي، فكما توضع خطط لأهداف اقتصادية تحقق أرقاماً، لابد أن يكون معها خطط اجتماعية موازية تعزز الجانب الفكري والثقافي الذي يتماشى مع الهدف الاقتصادي والتنموي.