د. جاسر الحربش
عندما تطارد الشرطة قاتلاً فيختبئ في بيت أهله سوف يحكم الحصار على كل من في البيت ولن يسمح لأحد بالخروج إلا بعد رفع اليدين والتفتيش. إن خرج القاتل مستسلماً يقبض عليه ويسلم للقضاء، وإن تترس في المنزل وتمترس بوالديه وأهله وبدأ يطلق الرصاص، سوف ترد الشرطة بالمثل.
في حالة استمرار العناد يتصاعد احتمال أن يتعرض كل من في البيت للأذى وقد يهدم البيت على من فيه لحماية المجتمع من مجرم واحد.
الإرهابي المتحصن في مدينة عراقية أو سورية ينطلق من أهداف يدعي أنها شرعية أو شرعية وطنية.
القاتل الاجتماعي الفرد له أسبابه الخاصة به ولكن النهايات متماثلة في الحالتين وإلحاق الضرر بالأهل والبيت يتحقق في الحالتين كذلك.
عندما حقق تنظيم داعش هزيمة غير متوقعة بالجيش العراقي قبل سنتين أصبح مقاتلوه على مشارف بغداد. اضطربت القيادة السياسية والعسكرية في العاصمة العراقية وارتعد المالكي ورفاقه لاعتقادهم بأن الدور عليهم. لم يكن ذلك من المستحيلات ولكن الذي حدث كان غير المتوقع. بدلاً من اغتنام فرصة الانهيار والتذمر الشامل في العراق بسبب تخريب أحزابها العميلة، حوّل داعش خط هجماته نحو قرى الكرد والإيزيديين والتركمان، فقتل شبابهم وسبى نساءهم ونهب مواشيهم، فقدم للعالم كل البراهين على أنه تجمع وحشي من قطاع الطرق السفاكين ولا علاقة له بدين ولا وطن.
المفجع الآخر كان قتل التنظيم لمئات المجندين العراقيين الشباب في قاعدة سبايكر في مدينة تكريت، وإلقاء جثامينهم في الحفر وتركهم للجوارح والكواسر.
تلك الهمجية لم تكن أقل فظاعة من قتل الجيش الإسرائيلي لمئات الأسرى المصريين عام 1967م وطمرهم في رمال سيناء بعد دهسهم بالدبابات.
لو كان تنظيم داعش مقاومة شرعية/ وطنية كما يدعي، لفعل ما يفرضه الواجب الشرعي والوطني. كان يستطيع تجميع المجندين الشباب وإقناعهم بأنهم من شباب العراق ومستقبله ولكنهم أصبحوا ضحايا للسياسات الأمريكية والإيرانية والعملاء الخونة، وكان له أن يخيرهم بين العودة سالمين إلى أهاليهم أو الالتحاق بصفوف المقاومة. لأن تنظيم داعش مجرد تجمع من القتلة لم ترد رؤوسه المدبرة لم الشمل والتسامح لصالح العراق، وتصرفت حسب طبائع التنظيم وكوامنه المتوحشة، فضيع الفرصة العقلانية على العراق بكامله وعلى العرب.
الذي حصل بعد ذلك هو ما يجري للقاتل الذي تطارده الشرطة عندما يهرب إلى بيت أهله ويتحصن بينهم ويتخذ من أفراد أسرته متاريس ومصدات.
بعد انكشاف تنظيم داعش أمام العالم بدأت محاصرته والتضييق عليه، فلم يجد غير مدن وبيوت الأهالي الذين يدعي الثورة من أجلهم، ليحيلها إلى أهداف مفتوحة للطائرات والصواريخ والمدافع.
بالأمس تم سحق التنظيم في تكريت وأصبحت المدينة أطلالاً منهوبة، واليوم حصل نفس الشيء لمدينة الرمادي، وغداً يتكرر في الفلوجة والموصل والقائم والرقة. سوف يسحق التنظيم ويتبدد ولكن بعد أن تتحول ديار العرب السنة إلى خراب، وهذا بالضبط ما يتمناه أعداء العرب وأعداء السنة. الموضوع بالنتيجة النهائية يشبه لوحة سيريالية رسمها الثالوث الإيراني الإسرائيلي الأمريكي ثم قام تنظيم داعش بالتنفيذ.
سوف يقول الراوي فيما بعد: يا سادة يا كرام هذا ما حدث للمجرمين القتلة الذين هربوا من الملاحقة وتحصنوا في ديار أهاليهم، ثم يسدل الستار وتنقل أحداث التدمير إلى مسرح جديد في مكان آخر من ديار العرب والسنة.
اختطاف الحوثيين وعلي صالح لليمن وإلغاؤهم المؤسسات الشرعية وتعاونهم مع تنظيم القاعدة هو نفس ما حدث في العراق وسوريا. بالضرورة سوف تستمر ملاحقتهم لتخليص اليمن ولحماية دول الجوار منهم وسوف ينتهي أمرهم ولكن بعد خراب الأماكن التي اختطفوها وتترسوا بين سكانها.
لكيلا تتحول العوامية في منطقة القطيف إلى نموذج سعودي مصغر لصعدة الحوثية اليمنية، ولكيلا تتحول كل مدينة سعودية أخرى إلى نماذج من تكريت والرمادي والرقة فتلقى نفس المصير، لمنع ذلك تم تنفيذ القصاص بسبعة وأربعين إرهابي كلهم سعوديين ما عدا اثنين، أربعة منهم من الشيعة والباقون سنة. لم يكن نمر باقر النمر سوى إرهابي سعودي واحد بين الباقين الذين حاولوا التترس وسط أحياء أهاليهم فمكن الله منهم قبل حصول الضرر الأكبر.