موسكو - سعيد طانيوس:
كرّست المملكة موقعها الرائد في زعامة العالمين الإسلامي والعربي، وأظهرت قدرة قيادتها الحالية على لمّ الصفوف وحشد التأييد الرسمي والشعبي في اللحظة السياسية المناسبة، وما الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، السبت، في العاصمة السعودية الرياض، واجتماع الجامعة العربية. لبحث تطورات العلاقة بين المملكة وإيران، في أعقاب التوتر القائم بسبب التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية والسيادية للمملكة، وقيام محتجين إيرانيين باقتحام مبنى السفارة السعودية بطهران، وما تبعه من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا برهان أكيد وإثبات لا يقبل الشك بزعامة المملكة وتربعها دون منازع فوق سدّة الحفاظ على الأمن العربي والإسلامي ورعايتها الدائمة والساهرة لمصالح الدول العربية والإسلامية، وعلى رأسها دول الخليج العربي.
وقد دان وزراء الخارجية العرب في بيان بشدة ما أسموه بالاعتداءات التي وقعت على مقرات البعثات السعودية بإيران وقالوا: إنهم يرفضون قطعًا تدخل إيران في شؤون المملكة وشؤون أي دولة عربية أخرى.
ودعا البيان في ختام الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية الذي خصص لمناقشة التوترات المتنامية في المنطقة الأحد 10 يناير - كانون الثاني إلى تشكيل مجموعة عمل تضم كلا من الإمارات ومصر والكويت لعرض «التجاوزات الإيرانية» على الأمم المتحدة.
من جهته، ذكر وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في ختام الاجتماع أن «جميع الدول العربية وافقت على البيان الختامي الصادر عن وزراء الخارجية العرب الذي يدين الاعتداء على السفارة السعودية في طهران».
وقال: إن الاجتماع يأتي «في ظل التصعيد الخطير الذي قامت به الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي تمثل في الاعتداء السافر على مقر السفارة في طهران والقنصلية في مشهد»، مشددًا على أن «اعتداء إيران واضح ضد القانون الدولي».
وقال الوزير: «ندين بشدة الاعتداءات التي وقعت على مقرات البعثة بإيران كما نرفض رفضًا قاطعًا سياسة إيران بالتدخل في شؤون المملكة وشؤون أي دولة عربية أخرى يشمل ذلك الأحكام القضائية السيادية للمملكة ونؤكد وقوفنا مع المملكة في إجراءاتها الرادعة لمواجهة الإرهاب والتطرف».
ومن جانبه، أكَّد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في ختام الاجتماع أنه كان هناك إجماع ودعم كامل لموقف السعودية الذي يدين الاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
واتهم البيان إيران بالتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط وزعزعة الأمن الإقليمي.
وتصدر المملكة لموقع الدفاع عن مصالح الدول العربية والإسلامية وسيادتها واستقلالية قراراتها، هو ما يسعّر الخلافات مع السلطات الحاكمة في إيران الساعية لمدّ هيمنتها ونفوذها إلى دول الجوار القريبة والبعيدة دون رادع أو وازع، مرّة تحت حجج مذهبية وطائفية مراوغة، ومرات تحت غطاء ادعاء «المقاومة والممانعة».
ولهذه الأسباب فإن الخلاف بين الدول العربية ونظام الملالي في طهران في تصاعد ملحوظ، ولذلك أيضًا تواصل دول كثيرة صديقة للمملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران على خلفية الأزمة الأخيرة بين البلدين المحوريين في المنطقة.
ومن جانبه قال وزير خارجية المملكة معالي الأستاذ عادل الجبير: إن «هذه الاعتداءات تعكس بشكل واضح السلوك الذي تنتهجه السياسة الإيرانية في منطقتنا العربية بالذات في مقدراتها والتدخل في شؤون دولها وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية وزعزعة أمنها واستقرارها».
وفي معركتها الدبلوماسية الحالية ضد طهران وسعت المملكة دائرة المنتقدين لدور إيران في المنطقة وحشدت لتأييد عربي على مستوى العالمين العربي والإسلامي بالتوازي مع خطاب تجاوز الانتقاد.
وكانت إحدى ثمار هذا الحشد إعلان قائد الجيش الباكستاني، الأحد 10 يناير - كانون الثاني، أن أي تهديد لأراضي المملكة سيثير ردود فعل قوية من قبل إسلام أباد.
هذا الحديث الصارم، كما يبدو، جاء تتويجًا لزيارة صاحب السمو الملكي، ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان الأحد.
فالتصعيد بين القوتين الجيوسياسيتين في المنطقة أثار قلق المجتمع الدولي وبلدان المنطقة، وأصبح هاجس الحرب يخيم على الوضع.
لذا أدانت الجامعة العربية على لسان أمينها العام نبيل العربي حرق سفارة وقنصلية السعودية في إيران.
وأشار العربي إلى أن الاجتماع في القاهرة يهدف إلى تأكيد التضامن العربي التام مع المملكة العربية السعودية في أزمتها مع إيران، محملاً الأخيرة مسؤولية خرق الاتفاقيات الدولية.
وأكَّد الأمين العام للجامعة أن المنطقة لا تحتمل أي «فتنة طائفية» تحاول إيران بثها، حاثًا إياهًا على تحسين علاقاتها مع الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها وانتهاك سيادتها.
الاستفزازات الإيرانية كما تسميها دول عربية لاقت إدانة قوية في البيت الخليجي وانسحبت على التخوفات من أن تمتد من البحرين إلى الإمارات فالكويت، وجميعها دول إما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وإما قدمت لسفيرها مذكرة اعتراض على تدخلها بالشأن السعودي وإحراق ممثلياتها في الجمهورية الإسلامية.
وسبق أن أعلن في ختام اجتماع للتعاون الخليجي أن للمجلس رؤية مشتركة حيال «الاعتداءات الإيرانية».
الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبداللطيف بن راشد الزياني، قال حينها: إن دول المجلس تدين «الاعتداء الإيراني» على السفارة السعودية.
وهنا تقف دول الخليج صفًا واحدًا مع المملكة إزاء «الاعتداءات الإيرانية» على الممثليات السعودية في إيران.
وعلى الرغم من وجود بعض التباينات الخليجية الداخلية، إلا أن الأزمة مع إيران وحدت الصف.. ويرى مراقبون أن الموقف الموحد لدول الخليج وحشدها للتأييد العربي والإسلامي الواسع، أجبر إيران على التراجع في تصريحاتها ضد المملكة، رغم مكابرتها في بادئ الأمر.
وبدت التصريحات الإيرانية للمراقبين في بداية الأزمة حادة وتحمل طابع التهديد، لكن حدة هذه التصريحات تحولت إلى دعوات للتهدئة، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الجمعة أن إيران ترغب في التهدئة مع الرياض، مشيرًا إلى أن بلاده لا تريد تأجيج التوترات مع السعودية وسائر جيرانها الخليجيين.
وبعث ظريف رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، طلب منه إيصالها إلى كل من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة قال فيها: «ليس لدينا أي رغبة في تصعيد التوتر في محيطنا».. «علينا جميعًا أن نكون موحدين في وجه التهديدات التي يشكلها المتطرفون».
تصريحات الوزير الإيراني، تدل على عدم رغبة نظام الملالي في سياسة التصعيد والتفرغ للأهم، لا سيما أن طهران تمر على طريق وعر بعض الشيء.. فتطبيق الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع الدول الكبرى وتسوية الأزمة السورية، والأزمة اليمنية وعملية رفع العقوبات الاقتصادية عنها، تحتاج إلى التريث والتهدئة.