جلَّ خطب الحياة.. فكلما مات حبيب أو قريب أو صديق.. ذابت النفس حسرات، وطارت شعاعاً، ووقفت تستعيد تاريخاً طُوي، ووجهاً غاب فما عاد بين أصفيائه ومحبيه.
بالأمس ودعنا رجل الخير والبر والخلق الرفيع «محمد بن عثمان الرشيد» الذي كان رمزاً لأسرته وعميداً لها تتجه إليه في كل شأن من شؤون حياتها لتجد الحكمة والرأي السديد والمشورة الصادقة، كان مهوى الأفئدة ومقصد الأحبة، ارتفعت روحه إلى بارئها فاختاره إلى جوار من سبقوه من آله وبنيه وصحبه الأخيار، بعد أن ملأ حياته براً وعطفاً وإحساناً وفضلاً، كان - رحمه الله- سريَّ النفس، طيب العنصر، سديد الرأي، حكيماً في كل شأن من شؤون حياته. أدار ثروته بتواضع جم ورحمة للمحتاجين والمعوزيين.
يغبطه من عرفه على ما وهب من خلال وخصال حميدة قلَّ نظيرها، وما تهيأ له من وسائل الجود والثروة..
جزعت لنبأ موته، وأسفت أن لم أعد إليه مسلماً، أو مهنئاً له في المناسبات.. وفي كل مرةٍ أزوره يعاتبني على طول غيابي وانقطاعي عنه، لقد كانت صلتي به وإن كانت ليست بالبعيدة زمناً إلا أنها كانت لسعادتي بمعرفته ولقيأه تعدل عقوداً من الزمن أقتربت منه محبة ومودة، فأقترب مني وفاءً ومعزة، وتلك صفات الرجال الكبار الأخيار.
كان دائم الاتصال والسؤال ليطمئن ويعرف الأحوال.. وعرفت بعدها أنه يفعل ذلك مع كلَِّ من عرفه وأنها صفة له ملازمة، يتفقد أقاربه وأحباءه إذا أحسَّ بانقطاعهم عنه.
فقده كان مؤلماً وغيابه السرمدي كان مؤثراً وموجعاً، لكنها مشيئة الله وإرادته في خلقه.
تنفك تسمع ما حييت
بهالك حتى تكونه
والمرؤ قد يرجو الحياة
مؤملاً والموت دونه
ليل ينقضي في إثر ليل، وقوم في إثر قوم، وحدث يستذرف الدمع، والوفاء لمن مات تكون بمقابلة دواعي الحزن بداوعي الصبر.
نسأل الله الذي قدّر موته، وفجعنا بفقده أن يوسع له في قبره، وأن يغفر له يوم حشره. فقد عاش كريماً حميداً، ومات مرضياً فقيداً وعلى الأرامل والأيتام عطوفاً ومن الناس قريباً. أحسن الله عزاءكم آل الرشيد، وأجمل صبركم، وأجزل أجركم، وجعل الخير في أبنائه وحفدته، وجمعنا به في مستقر رحمته، وجنانه، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
خالد محمد الخنين - الرياض