ما أصعب أن تشعر ويمتلئ قلبك بالحزن العميق حينما تفقد أعز شخص في حياتك، ومن ثم ترى الحزن يعمُّ جميع أفراد أسرتك، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا، فقد أخذ الموت منا (الأب والمربي والموجه)، غاب عنا وعن أعيننا فزاد الحُزن، وضاق الصدر، رحل عنا وترك بعض الذكريات الجميلة هُنا وهُناك، فارقنا والدموع تودعُه، لم أتوقع أن يأتي اليوم الذي أودع فيه أغلى الناس وصورته عالقة في ذهني ولن تفارقني ما حييت، والدي الذي تردد صوته الندي على مسامعي طوال عمري وكنت لا أنام حتى أستمتع بسماعه، ذهب جسده وبقيت روحه وصورته أمام ناظري وفي أحلامي باقيه لن تذهب وحتى وإن طال الزمان بها.
والدي كلما رأيت شخصاً يحملُ ولو شيئاً قليلاً من ملامحك ابتسمت وأعدت ترتيب ملامحه لكي تبدو صورة منك، فإذا اقتربت منه اكتشفت أنني صنعت تمثالاً جميلاً يشبهك ولكنه بلا روح.. ولا نبض.. ولا حياة!!، فأحمل روحي وأنسحب وأظل أبحث عنك وانتظر لحظة رجوعك!.
والدي الذي خدم التعليم سنوات طويلة تخطت الثلاثين عاماً وفي مناطق مُتعددة، أخلص فيها أيما إخلاص، فلم تُسجل عليه ملاحظة واحدة، خدم من خلالها دينه ووطنه والعلم وأهله، جعل الله تلك السنين في موازين أعماله.
والدي الذي فتح بابه للأقارب يوماً في الأسبوع امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (. .. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه. ...)، جعله ذلك تكفيراً لسيئاته، ورفعة في درجاته.
والدي الذي يوصينا خيراً بالأقارب والأصدقاء، وكان يُريد منا أن نجعل الأخلاق الجميلة شعارنا، والتعامل الحسن ديدننا، وصلة الرحم هدفنا.
والدي الموت حق على كل روح، ولا يسعُنا في هذا الموقف سوى الابتهال للغفور الرحيم أن يثبتك عند السؤال، وأن يُعافيك ويعفو عنك، وأن يُكرم نزلك، ويوسع مُدخلك، وأن يغسلك بالماء والثلج والبرد، وأن يُنقيك من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يجمعنا معك في مستقر رحمته ودار كرامتك إنه سميع مجيب الدعاء.
سامي عبدالله الطريقي - الزلفي