من معاني الخال في معاجم اللغة عند العرب: «الخال: شامة أو نُكتة سوداء في البدن» (1)
تقول الأستاذة فاطمة اللامي: «حبة الخال أو الحسنة كما يسميها البعض ميزة فريدة إن جاءت بحجمها الدقيق ومكانها الصحيح، واستقرت على صفحة وجه مليح لتزده ملاحة، وحضوراً خاصاً عن سائر البشر، وفي المرأة أكثر من الرجل! هي خصاصة شكلية خلقية، ليست ذات بعد أخلاقي، ولا تحمل أي دلالات إنسانية، أو جوهرية، وإن اجتهد بعض «الجنسويين» في تنظيرهم، وشطحوا بخيالهم عميقاً وبعيداً، في وجود حبة الخال كقيمة دالة على ميزة أدبية، أو إنسانية، أو سلوكية، ارتبطت بموضعها في جسد حاملها! شُغف بها الشعراء والمغنون، والمولعون بالغيد الحسان، فأسهبوا في تشبيهاتهم، وأوغلوا في مراميهم، حتى أن أحدهم يشبهها بعبد أسود يتجول في روضة زهرا، وفي هذا المعنى أنشد العلامة الحسن بن أحمد عاكش، فقال:
نسيم الصبا هبت وقد لمع الخالُ
فهزت غصون الروض إذ جاءها الخالُ!
أما أشهر ما سمعناه وما زال حياً في ذاكرتنا الغنائية في مديح حبة الخال، أبياتاً لابن ياقوت شدا بها العملاق ناظم الغزالي فقال:
له خال على صفحات خد
كنقطة عنبر في صحن مرمر
وألحاظ كأسياف تنادي
على عاصي الهوى الله أكبر!
وهناك الكثير مما ورد على لسان الشعراء، يدل على ولع البعض بها، لخصوصيتها الجمالية، وتصدر حاملها المراتب الرفيعة
لـ«نقطة لافتة» للبصر، «قد ترمي بشرر» إلى حد أن تكون أحياناً مثار غيرة منها على صاحبها» (2).
ومن الشعراء الذين تغنوا بحبة الخال المرار فيقول:
وخال على خديك يبدو كأنه
سنا البدر في دعجاء باد دجونها
والشاعر هنا قلب المعنى، لأننا نعلم أن «الخيلان» سود، وسمر، ووجوه الحسان بيض.. فجعل الشاعر الخيلان هي المنيرة، والوجوه هي السمراء! لكن البيت جاء مدحاً لجمال تلك الفتاة.
وقال آخر:
كأنما «الخيلان» في وجهه
كواكب أحدقن بالبدر
فالشاعر أعطى الوجه هنا الإنارة والبياض بتشبيهه بالقمر بدراً، وجعل الخيلان محُدقة به مثل الكواكب إذا أحاطت بالبدر، والملاحظ أنه ليس خالاً واحداً بل خيلان كثيرة.
وقد أبدع مسلم بن الوليد في ذكر «الخال»:
وخال كخال البدر في وجه مثله
لقينا المنى فيه فحاجزنا البذل
فالبدر منير، وفيه سواد للرأي، فالخال في وجهها كتلك النكتة السوداء على صفحة البدر.
وقد أيده العباس بن الأحنف منشداً:
لخالٌ بذات الخال، أحسن عندنا
من النُكتة السوداء في وضح البدر
ومن أجمل ما قيل في الخال، قول مظفر الأعمى:
لا تحسبوا شامة في خده طبعت
على صحيفة خد راق منظره
وإنما خده الصافي تخال به
سواد عينيك حين تنظره
وأحسن منه في هذا المعنى قول بعضهم:
صقيل الخد أبصر من رأه
سواد العين فيه فخال خالا
وقال ابن حميدس:
يا سالباً قمر السماء جماله
ألبستني في الحب ثوب سمائه
أشعلت قلبي فارتمى بشرارة
علقت بخدك فانطفت في مائه
وقول الشاب الظريف:
وبين الخد والشفتين خال
كزنجي أتى روضاً صباحاً
تحير في الرياض فليس يدري
أيجني الورد أم يجني الأقاحا
وقد تفننوا في تشبيه الخال بالمسك والعنبر، ومما قاله ابن سهل في ذلك:
غزالٌ براه الله من مسكة بري
بها الحسن منا مسكة المتجلد
وأبدع فيها الصنع حتى أعارها
بياض الضحى في نعمة الغصن الندي
وأبقى لذاك الأصل في الخد نقطة
على أصلها في اللون إيماء مرشد
ويقول حافظ إبراهيم:
سألته ما لهذا الخال مُنفرادً
واختار غُرتك الغرا له سكنا
أجابني: خاف من سهم الجفون ومن
نار الخدود، لهذا هاجر الوطنا
وهذا ما عليه أكثر الناس، يحبون الخال في الوجه..
ولكن هناك من يجعل الخال صفة ذم ليست مرغوبة في الوجه، وعلى رأسهم الشاعر «ذُو الرمة»، حين وصف محبوبته «مي» فقال:
تُريك سُنة وجه غير مُقرفة
ملساء ليس بها «خال» ولا ندبُ
ففي هذا البيت ينفي ذو الرمة الخال والندب عن صورة وجه المحبوبة «مي»، بل قرن الخال مع الندب وهو نتوءٌ يكون في صفحة الوجه، ويجعل وجهها أملس كوجه المرآة المصقولة، بل يُلمح ذو الرمة أن صفاء الوجه من الخال والندب من صفات العربيات كريمات الأصل، اللواتي لا قرف فيهن، والقرفُ هُجنةٌ من جهة الأب.
ولكن للناس فيما يعشقون مذاهب!
** ** **
(1) موقع المعاني لكل رسم معنى، معجم المعاني الجامع، قاموس المعاني
(2) صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 13 أبريل 2010، ملحق دنيا، «مد وجزر، في مديح حبة الخال»، الكاتبة فاطمة اللامي.