فهد بن أحمد الصالح ">
المبدعون على كثرتهم وأصحاب البصمات الإيجابية على تنوعهم بعد ترك العمل أو الانتقال عنه أو توديعهم الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية تُنسى وتندثر بصماتهم وإنجازاتهم حتى لا يعود أحياناً للذكرى مكان وخلال فترة قصيرة، وهذ في نظري قصور في النظرة وعدم الاهتمام بما قدموا لهذا الوطن وأهله أو غفلة غير مقصودة لا تتجاوز التسويف والتأجيل لكتابة التجارب والمواقف والذكريات، كما أنه جحود أو عدم إنصاف من المجتمع تجاههم لأنه لم يذكرهم بما قدموا وأجادوا كما يجب خاصة وأننا نتفنن في ذكر السلبية وانتقاد صاحبها ولا نحسن الإشادة بالإيجابية والثناء على صاحبها، وكذلك تجاهل من أصحاب القلم لعدم إبراز تلك الإيجابيات وتسمية من كانت فكرة له أو ساهم في إخراجها حتى نستوقف المجتمع بالكامل في لحظة إعجاب بما تم إنجازه ومن ثم إبرازه لشكر صاحبه والدعوة للاقتداء به ، ولذا فإني من أوجب الواجبات استقطاب هؤلاء الرجال ليكونوا شواهد على العصر في كتابة ما مر بهم من إيجابيات عملية أو تجارب بشرية رائعة من خلال فرق العمل التي كانوا أحد أفرداها، وبالمقابل يتطلع جميع الباحثين عن الإيجابية إلى نقل تلك التجارب الرائعة واستنساخ ما يفيد منها حتى لا نجتهد في اختراع العجلة من جديد وهذا أمر فيه تكرار للكثير من الصعوبات والخسائر التي ليس لها مبرر وضياع الوقت والجهد وتوقف التنمية في حين أنه يمكن إعادة تدويرها لينعم هذا الوطن الكريم وأهله برفاهية دائمة وهو أمر ليس معقد ولا يحتاج إلا إلى النظرة المخلصة ومزيد من الوطنية للاستفادة من دروس الماضي وإيجابيات أهله وتخليد العطاءات التي تم تحقيقها، ولا ننسى الدور التسويقي المتوقع من دور الطباعة والنشر عندما تتبني مثل هذه القامات لتخرج لنا مكنونات خبرتهم وموجودات خدمتهم الطويلة فهم نبراس مضيء لنا.
وبالمقابل فإن من ودعنا من أهل البصمات الإيجابية وهم كثر بفضل الله أمثال الوزراء غازي القصيبي ومحمد الرشيد وعبدالعزيز الخويطر ومحمد ابن جبير وعبدالعزيز التويجري والمربي عثمان الصالح والعلامة سماحة الوالد عبدالعزيز ابن باز وتجاربهم العملية الرائدة في العديد من مناحي الحياة وأثرهم الشرعي والأدبي والتربوي لا ينبغي أن ينسى لأنه صالح لكل زمان ومكان ونتطلع إلى أن تفرد لهم في صفحاتنا الورقية والإلكترونية مقال أسبوعي من أحد الكتاب ليعاد عرض تلك التجارب والبصمات والعطاءات والآراء والمواقف الإنسانية وحتى أسلوب إدارتهم للعمل وفرق العمل التي حققت في وجودهم الكثير وكيف حققوا معهم درجات من الولاء والوفاء والرضاء بشكل لا تجده مع غيرهم وذلك لأخذ الدروس المستفادة منها من تلك السير الرائدة فلعلنا بهذا نؤثر في الأجيال ونساهم في نشر الإيجابية ونرفع قيمة وطننا واقتصادنا وناتجنا المحلي وتربية أجيالنا ونزرع فيهم الوطنية ونرفع درجة الانتماء للدين وللوطن وللمكان والثقافة والعطاء وبعدها سننطلق إلى عالم إيجابي أكثر رحابة وأرقى في معطياته، وقد تتبنى جزيرتنا الرائعة زاوية يومية تطلق وتخصص شهرياً لأحد الرموز الوطنية ويشارك فيها أصحاب الأقلام والمرافقين وزملاء العمل ليكتبوا ما يعرفونه عنه.
كما أن على إدارات العلاقات العامة والشؤون الإعلامية في كل مصالحنا الحكومية والخاصة الاهتمام بهذا الدور وتزويد المجتمع الآخر بشيء من الإنجازات فدورها يتعدى إدارة المراسم ونشر أخبار الوزارة في وسائل الإعلام وسيأتي يوم نلوم السابقين في تلك الوزارات كيف اندثر تاريخ قياديها ومبدعيها وبالتالي تاريخها العملي والخدمي الذي يستحق أن يطالعه العامة بين فترة وأخرى ونتطلع إلى مرحلة من التغيير تشمل تلك الإدارات كي تكون ملء السمع والبصر وتترك غير الهام وتهتم بالأهم لأنه الذي سيبقى للأجيال مع تخصيص جزء من اهتماماتها لتدوين تاريخها وكأنه سيصدر في كتاب وطني وليس في نشرة أسبوعية شخصية تهتم بمواعيد قياداتها واستقبالاتهم ولقاءتهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع وقد يكون سبب ذلك عدم وجود متخصصين لأن التفريق ما بين مهام العلاقات العامة والإعلام لا يزال يحمل الاجتهاد في التنفيذ أو يُسيس الأمر لمصلحة رئيس الجهاز وكيف يخدمه ذلك في صورته المجتمعية وكسب المزيد من الأضواء.
وختاماً.. يلاحظ الجميع في مقالات التابين التي تكتب عن المتوفين تركز على سلوكيات شخصية وأسلوب تعامله ولا تتطرق إلى إنجازات مشاهده ولذا يموت المُنجز ويندثر الإنجاز ولا نستفيد من الُمنجز أو نعيد إنتاج الإنجاز وهو أمر فيه الكثير من السلبية والهدر ولا يقودنا إلى تنمية إدارية أو بشرية نصافح بها العالم بقناعة لما هو موجود عندنا. وهذا مما يؤكد أن على من يعلم عن أهل البصمات أن لا يترك الحديث عنهم وهذا من باب الشكر المطلوب وليس المدح المذموم، فالناس تحتاج لتجارب بعضها وليس لسلوكياتهم وإن كانت مهمة على المستوى الشخصي ولكن التجارب الإدارية الناجحة ستحفظ للوطن ثرواته التي تهدر بالاجتهادات المتكررة وعلى مختلف المستويات فكيف نؤرخ ذلك للأجيال بصدق؟.