التأكيد على أهمية دور الإعلام في مكافحة التطرف والإرهاب ">
الإسكندرية - مكتب الجزيرة - علي فراج:
أجمع عددٌ من الباحثين والمشاركين في مؤتمر «صناعة التطرف.. قراءة في تدابير المواجهة الفكرية» - الذي عُقد بمكتبة الإسكندرية لمدة ثلاثة أيام - على أهمية دور الإعلام في مكافحة التطرف والإرهاب، منتقدين بعض الممارسات الخاطئة والمهنية بهذا الصدد، داعين إلى مزيد من الحريات الإعلامية في المجتمعات العربية كضمانة لمكافحة الإرهاب.
وحَمّل الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» خلال ندوة شارك فيها مع آخرين لهذا الغرض مسؤولية ما تشهده المنطقة من أعمال إرهابية لكل من: (الإعلام والتعليم والخطاب الديني)؛ بنسب متفاوتة، لتظل المسئولية الكبرى واقعة على الدول الراعية للإرهاب، مطالباً رجال الإعلام ذوي الخبرة والاستنارة بمواجهة ما يبث في الصحف والفضائيات والإذاعات من مواد إعلامية من شأنها تكدير سِلم المجتمعات العربية والإسلامية، ومواجهة إشاعة روح التطرف والعنف والطائفية، لافتاً النظر إلى أن تنظيمات وقوى دولية وإقليمية تستخدم الإعلام لبث الفرقة والنزاعات وقلب الحقائق وتأجيج الطائفية، كما أن رجال التعليم عليهم دور كبير في تنقية المناهج من كل ما يحض على الكراهية والعنف والتطرف، وتربية نشء جديد على سلوكيات التسامح وقبول الآخر.
وأضاف المالك أن المؤسسات الدينية المعتدلة في الدول العربية والإسلامية مطالبة في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى بدحض الشبهات التي تثيرها التنظيمات الإرهابية، وتفنيد مزاعمها وتوضيح حقيقة الإسلام السمحة للعالم كله.
وأكد أن مؤسسات الإعلام والتعليم ورجال الدين مطالبون بمواجهة تلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها عالمنا الإسلامي من إرهاب بغيض، يتخذ من الإسلام راية له، والإسلام من إجرام تلك الجماعات بريء، ويعرف ذلك القاصي والداني.
ورد رئيس تحرير «الجزيرة» على أسئلة الحضور والتي تمحورت حول تطورات الأزمة بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث قال إن إيران دولة مارقة، وتفتعل الأزمات مع جيرانها، وهي كعادتها تريد أن تتدخل في الشئون الداخلية للسعودية، وتتصرف كما لو كانت مسئولة عن المملكة بسكانها الذين يعتنقون المذهب الشيعي، في حين أن السعودية لا تفرِّق بين المذاهب، وإنما تنظر إلى الجميع كمواطنين سعوديين بدون تفرقة.
وقال معلقاً على تنفيذ حكم الإعدام في نمر النمر، أن المملكة نفذت حكم الشرع بعد النظر في القضية التي شملت 47 مجرماً، ارتكبوا جرائم كثيرة، حيث فجّروا مقرات الأمن، ومجمعات سكنية وقتلوا الأبرياء، وقال إنه من حق المواطنين على المملكة أن تضمن أمنهم وسلامتهم، وأشار إلى أن إيران تصرفت كعادتها وتدخلت بشكل سافر في الشأن الداخلي، وأضاف أن المملكة اضطرت بعد حرق سفارتها في إيران، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، ومطالبة السفير الإيراني بمغادرة الأراضي السعودية، وأكد المالك أن السعودية لن تسمح لإيران، أو لغيرها، بالتجاوز والتدخل في الشأن الداخلي، ولفت المالك إلى أن إيران محور شر، كلما مدت يدها في دولة أشعلت فيها نيران الفتن، وضرب أمثلة بما يجري في اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان والكويت وكذلك السعودية.
كما تحدث الدكتور محمد إسحاق مستشار الرئيس الموريتاني لشئون الاتصال؛ عن تجربة موريتانيا في محاربة التطرف والإرهاب، وما وضعته السلطة لمواجهة الإرهاب ضمن أبرز أولوياتها، بالتزامن مع إدراك المسئولين أهمية تعزيز الحريات العامة وتحرير المجال الصحفي، فضلاً عن دعم الدولة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات، وأضاف أن الدولة بدأت تنفيذ مجموعة من المشروعات التي تساعد الشباب على الاندماج في المجتمع، وإطلاق مشروعات تنموية لمساعدة الشباب والنساء، لافتاً إلى إلغاء المادة التي تنص على الحبس في قضايا النشر من الدستور.
كما تحدث في الجلسة ذاتها الإعلامي سمير عمر مدير مكتب «سكاي نيوز بالقاهرة» عن سبع حقائق في مجال الإعلام والتطرف، أولها أن تعريف الإرهاب يرتبط بالجهة التي تطلق هذا التعريف أو المصطلح. أما الحقيقة الثانية فهي أن الإرهابيين أنفسهم يدركون أهمية الإعلام، فكل المنظمات الإرهابية تؤمن بأهمية العمل الإعلامي في تصدير صورة ذهنية عن نفسها للمتلقي، وأضاف أن علاقة الجماعات الإرهابية بالإعلام تعتمد على فكرة تصدير المصطلحات الخاصة بهم، كما أن الجهد الإعلامي ليس مقصورًا على إمكانات الجهات الإرهابية، وإنما هناك قوى كبرى وأجهزة مخابرات ترعى هذه التنظيمات.
وقال إن الحقيقة الخامسة هي أن هناك بعض وسائل الإعلام التي تعتبر نفسها نظريًا أداة تواجه الإرهاب، إلا أنها في بعض الأحيان تقدم خدمات جليلة لتلك التنظيمات.
وأشار إلى وجود إخفاق كبير من جانب بعض وسائل الإعلام في مجابهة الإرهاب، كما أنه في بعض الأحيان تكون المصلحة بين الإعلام والإرهاب مشتركة، وأكد على أهمية أن يكون هناك جهد جماعي لتقديم نموذج صحفي وإعلامي عربي يواجه التطرف ويجرم الإرهاب ولا يستضيف رموزه أو يروّج لهم، وفي نفس الوقت يجب أن يمنع هذا الميثاق الأنظمة من استخدام تلك التيارات كفزاعة للانتقاص من الحريات.
فيما عقدت جلسة نقاشية حول الإرهاب والأمن القومي، ترأسها الخبير الإستراتيجي اللواء محمد مجاهد الزيات، وتحدث فيها اللواء مختار بن ناصر، اللواء المتعاقد والمتحدث السابق باسم الجيش التونسي، واللواء محمد إبراهيم مسئول الملف الفلسطيني الإسرائيلي السابق بالمخابرات العامة المصرية، والدكتور أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الدولية والقانونية، وارتكزت الجلسة حول تداعيات صعود الحركات الإرهابية في العالم العربي على الأمن القومي للدول العربية.
وفي بداية الجلسة، أشار اللواء الزيات إلى أن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة على أمنه القومي، حيث أصبحت العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم، كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا في إطار تصارع النظام الإقليمي. وأضاف أن الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية يلعب دورًا حيوياً في عملية التقسيم هذه، موضحًا أن هذا التنظيم لا يختلف في جوهر أفكاره عن التنظيم الأم «القاعدة» في غير درجة التوحش والإسراع إلى إعلان الخلافة، متنبئاً بأننا في الفترة القادمة سنتحدث عن العائدين من سوريا والعراق كعناصر خطيرة على أمن الدول، وهو ما يعززه فشل التحالف الدولي في القضاء على التنظيم، وهو ما يعني أن ظاهرته ستستمر في السنوات القادمة على الأرجح.
وفي مداخلته، أكد اللواء مختار بن ناصر، أن هناك العديد من الشباب التونسي الذي التحق بالتنظيم في سوريا ويقدر عددهم بـ 2000 - 3000 فرد، من بينهم من تم احتجازه من قبل الأمن التونسـي قبيل مغادرته إلى سوريا للجهاد. كما أن تونس تعاني من وجود بعض الجماعات المسلحة داخل تونس التي اختارت أن ترفع السلاح في مواجهة الدولة، على أن الدولة التونسية تحاول جاهدة التعامل مع هذه المخاطر وتعتمد على بناء إستراتيجية مواجهة شاملة تتخطى الأبعاد الأمنية وبناء نماذج مغايرة لتلك التي يتم الترويج لها لدى الجهاديين والمتابعة النفسية والاجتماعية لهذه المجموعات.
ثم انتقل بن ناصر لتناول مفهوم الأمن القومي، حيث أكد بعد استعراض لأدبياته بأنه يشير إلى مجمل الإجراءات التي تضمن الاستقرار الداخلي وضمان المصالح الخارجية مع إيجاد التنمية المستدامة للمجتمع، وبالتالي هو مفهوم متعدد الأبعاد لا يتعلق فقط بفكرة الحلول الأمنية والعسكرية. وأضاف بن ناصر أن هناك تركيزاً في العالم العربي على قضايا الأمن الوطني لكل دولة على حدة، على حساب الأمن القومي العربي ككل، والذي يشمل عملية حدود العربية وإيجاد صيغة للتعاون المشترك بين مختلف الدول العربية.
ومن ناحيته عقّب اللواء مجاهد الزيات قائلاً: إن الحديث عن الأمن القومي العربي في هذه المرحلة التاريخية هو بمثابة حديث مثالي، خصوصاً أن الدول العربية أصبحت متنازعة فيما بينها، ومختلفة على تعريف العدو، كما هو في تعامل هذه الدول مع إيران وإسرائيل.
فيما ركز اللواء محمد إبراهيم في كلمته على تهديدات الإرهاب في شبه جزيرة سيناء على الأمن القومي المصري، وأشار إلى أن تاريخ الحركات الإرهابية في هذه المنطقة لا يتعدى العقد، غير أنها شهدت عمليات مكثفة وخطيرة من حيث الكم والكيف، اشتملت على تفجيرات واعتداءات.
وأوضح أن دراسة الإرهاب في سيناء يجب أن تتم في محددات تتمثّل في أن المؤسسات المصرية لم تثبت نفسها بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 15عامًا، وأنه لم يتم إدماج سيناء اقتصاديًّا في المنظومة الاقتصادية للدولة المصرية، كما أن المنطقة شهدت منذ سنوات قليلة صعودًا في التوجهات المتطرفة بين الشباب ولم تعمل الدولة ولا القبائل التقليدية على التصدي لها.
من ناحية أخرى، أوضح اللواء إبراهيم أن هناك ترابطًا عضويًّا بين الإرهاب في سيناء والتطورات الحادثة في قطاع غزة، فقد بدأت حركة حماس في بناء قوة عسكرية لها أهداف بعيدة المدى، كما أن غزة بعد مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع شهدت صعود جماعات ذات توجهات جهادية غير حماس التي بدأت، في أعقاب استيلائها على القطاع، حفر أنفاق بين القطاع وسيناء، وهي الأنفاق التـي مثّلت شريان الإرهاب الرئيس في سيناء، حيث شهدت عبور الأفراد والمدربين الجهاديين والأسلحة الثقيلة والخفيفة التي تم تهريبها إلى داخل العمق المصري، واستخدمت فيما بعد.. وقد ساهمت كل هذه العوامل في دعم التوجهات الجهادية في سيناء ومدّها بالموارد.